هنا هو متعلق العلم واليقين حدوثاً كما انه هو متعلق الشك بقاءً ، فلا بدَّ من القول بجريان الاستصحاب في هذا القسم من الكلي.
والجواب عنه يتضح من خلال بيان أمور :
الأول ـ انَّ الكلية والجزئية في باب المفاهيم ليست بملاك الإطلاق والتخصيص فيها بأَن يكون الكلي عبارة عن المفهوم المجرد من القيود والجزئي عبارة عن المفهوم المقيد بمجموعة خصوصيات ببرهان انَّ إضافة مفهوم إلى مفهوم وتحصيصه به يستحيل أَن يجعله جزئياً حقيقياً بمعنى امتناع الصدق على كثيرين ولو فرض انتفاء مصداقه خارجاً بل يبقى المفهوم مهما ضيق وحصص بمفهوم آخر صالحاً للانطباق على كثيرين فلا يصبح بذلك جزئياً حقيقياً ، وانما الكلية والجزئية تنشأ من كيفية ملاحظة الذهن واستخدامه للمفهوم المنطبع فيه ، فانه تارة يلحظه بما هو ومن دون إضافة له إلى حصة فيكون كلياً صالحاً للانطباق على كثيرين ، وأخرى يلحظه بما هو مضاف إلى حصته ـ مع قطع النّظر عن وجودها وعدمها في الخارج ـ فيكون جزئياً يمتنع صدقه على كثيرين ، وهذا يعني ان النسبة بين الكلي والجزئي ليست نسبة الأقل إلى الأكثر والمطلق إلى المقيد كما هو الانطباع الساذج والأولي في الأذهان ، وقد تقدم شرح ذلك في بعض البحوث السابقة.
الثاني ـ انَّ الفرق بين التصور والتصديق ليس في الصورة الذهنية بل في امر وراءها وهو الإشارة الفعلية بالصورة إلى خارج الذهن وعدمه ، فانَّ الذهن تارة لا يستطيع أَن يشير بالصورة الذهنية إلى واقع موضوعي خارج الذهن فيكون مجرد تصور ، وأخرى يستطيع أَن يشير به إلى واقع موضوعي خارج الذهن ويكشف به عنه فيكون تصديقاً ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في بعض البحوث السابقة أيضاً.
الثالث ـ يظهر مما تقدم انَّ تعدد العلوم والتصديقات يكون بحسب الدقة بتعدد الإشارة الفعلية بالصور الذهنية إلى الخارج ، فكلما كانت هناك إشارات فعلية متعددة إلى الخارج كانت المعلوم متعددة وكلما كانت الإشارة الفعلية إلى الخارج واحدة فالعلم واحد مهما تركب الصورة التي بها الإشارة إلى الخارج بحيث يزول ذلك العلم بزوال تلك الإشارة ولا يبقى إلاّ التصور المحض. وبناءً على ذلك يتضح انه في المقام حيث انَّ الإشارة والعلم بوجود الإنسان في المسجد كان من خلال إشارة فعلية واحدة