اليقين على التقدير الثاني واضح واما التقدير الأول فهو ينسجم في نفسه مع الاستصحاب إذ يمكن ان يكون اليقين الاستصحابي متولدا أيضا قبل الشك بل هذا هو الغالب في موارد الاستصحاب ، فالاستناد إلى هذا الظهور لنفي إرادة الاستصحاب مبني على ضم دعوى ان وضوح عدم لزوم تقدم حصول اليقين على الشك في الاستصحاب بخلاف القاعدة يكون قرينة على إرادتها ، أو يكون المقصود مجرد النقض على من يرى حجية الاستصحاب مطلقا حتى مع تقدم الشك على اليقين أو تقارنه معه فيقال انه لو دار الأمر بين إرادة الاستصحاب بهذا الوجه والقاعدة تعينت القاعدة.
وقد أجاب المحققون عن هذا الاستظهار بوجوه :
الأول ـ ان ورود هذه الخصوصية ليس بملاك التقييد بل بملاك الغلبة نظير قوله تعالى ( وربائبكم اللاتي في حجوركم ) الّذي أخذ فيه الكون في الحجر من جهة الغلبة لا الشرطية.
وهذا الجواب انما يتم إذا كان منظور الشيخ ( قده ) استظهار التقدير الأول لا الثاني فانه لو جعل الترتيب قرينة على إرادة موت اليقين وحل الشك محله فهذا لا ينسجم إلا مع القاعدة لا الاستصحاب كما لا يخفى.
الثاني ـ ما جاء في كلمات المحقق العراقي ( قده ) من عدم دلالة التعبير على أكثر من لزوم التقدم الأعم من الزماني أو الرتبي كقولك ادخل البلد فمن كان عالما فأكرمه ومن كان عاصيا فاضربه (١).
وفيه : ان أريد فرض الترتب الرتبي بين اليقين والشك وبين لزوم المضي على اليقين وعدم نقضه ـ الّذي هو الحكم الاستصحابي ـ فهذا صحيح الا انه لا ربط له بالاستظهار إذ المفروض دلالة الرواية على الترتب بين اليقين والشك وتأخر الشك عن اليقين وليس الكلام في الترتب بين الاستصحاب وموضوعه. هذا مضافا إلى ظهور قوله ( من كان على يقين فشك ) في ان حدوث الشك كان بعد حدوث اليقين وهو يساوق مع التقدم الزماني.
__________________
(١) نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ٦٣