الالهية من بقاء الخلق ، وإرشادهم إلى كمالهم. ويستحيل على الحكيم أن يجري في أعماله على خلاف ما تقتضيه حكمته.
ثانيها : أن يأتي بالله بأن يقابلوه ، وينظروا إليه. وذلك ممتنع لان الله لا تدركه الابصار ، وإلا لكان محدودا في جهة ، وكان له لون وله صورة. وجميع ذلك مستحيل عليه تعالى.
ثالثها : تنزيل كتاب من الله. ووجه استحالة ذلك أنهم أرادوا تنزيل كتاب كتبه الله بيده ، لا مجرد تنزيل كتاب ما ، وإن كان تنزيله بطريق الخلق والايجاد ، لانهم لو أرادوا تنزيل كتاب من الله بأي طريق اتفق لم يكن وجه معقول لطلبهم إنزاله من السماء ، وكان في الكتاب الارضي ما في الكتاب السماوي من الفائدة والغرض ، ولا شك ان هذا الذي طلبوه مستحيل لانه يستلزم أن يكون الله جسما ذا جارحة. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأما الامور الثلاثة الاخرى فهي وإن كانت غير مستحيلة ، لكنها لا تدل على صدق دعوى النبوة. فإن فجر الينبوع من الارض ، أو كون النبي (ص) مالكا لجنة من نخيل وعنب مفجرة الانهار. أو كونه يملك بيتا من زخرف ، امور لا ترتبط بدعوى النبوة ، وكثيرا ما يتحقق أحدها لبعض الناس ثم لا يكون نبيا. بل فيهم من يتحقق له جميع هذه الامور الثلاثة ، ثم لا يحتمل فيه أن يكون مؤمنا ، فضلا عن أن يكون نبيا ، وإذا لم ترتبط هذه الامور بدعوى النبوة ، ولم تدل على صدقها كان الاتيان بها في مقام الاحتجاج عبثا ، لا يصدر من نبي حكيم.
وقد يتوهم متوهم أن هذه الامور الثلاثة لا تدل على صدق النبوه ، إذا وجدت من أسباب عادية مألوفة. أما إذا وجدت بأسباب غير عادية فلا ريب أنها تكون آيات إلهية ، وتدل على صدق النبوة.
( البيان ـ ٨ )