والتحقيق : أن هذا القسم من النسخ غير واقع في القرآن ، كيف وقد قال الله عز وجل :
« أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ٤ : ٨٢ ».
ولكن كثيرا من المفسرين وغيرهم لم يتأملوا حق التأمل في معاني الايات الكريمة ، فتوهموا وقوع التنافي بين كثير من الايات ، والتزموا لاجله بأن الاية المتأخرة ناسخة لحكم الاية المتقدمة ، وحتى أن جملة منهم جعلوا من التنافي ما إذا كانت إحدى الايتين قرينة عرفية على بيان المراد من الاية الاخرى ، كالخاص بالنسبة إلى العام ، وكالمقيد بالاضافة إلى المطلق ، والتزموا بالنسخ في هذه الموارد وما يشبهها ، ومنشأ هذا قلة التدبر ، أو التسامح في إطلاق لفظ النسخ بمناسبة معناه اللغوي ، واستعماله في ذلك وإن كان شائعا قبل تحقق المعنى المصطلح عليه ، ولكن إطلاقه ـ بعد ذلك ـ مبني على التسامح لا محالة.
مناقشة الآيات المدعى نسخها :
وعلى كل فلا بد لنا من الكلام في الايات التي ادعي النسخ فيها. ونذكر منها ما كان في معرفة وقوع النسخ فيه وعدم وقوعه غموض في الجملة. أما ما كان عدم النسخ فيه ظاهرا ـ بعد ما قدمناه ـ فلا نتعرض له في المقام وسنتعرض لذلك عند تفسيرنا الايات إن شاء الله تعالى.
وليكن كلامنا في الايات على حسب ترتيبها في القرآن الكريم :
١ ـ « وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ