ولا يخفى أن النسخ للاية الاولى موقوف على إثبات تقدمها على الاية الثانية في النزول ، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثباته ، وعلى أن يكون المراد من التشبيه في الاية تشبيه صيام هذه الامة بصيام الامم السالفة ، وهو خلاف المفهوم العرفي ، بل وخلاف صريح الاية ، فإن المراد بها تشبيه الكتابة بالكتابة فلا دلالة فيها على أن الصومين متماثلان لتصح دعوى النسخ ، وإذا ثبت ذلك من الخارج كان نسخا لحكم ثابت بغير القرآن ، وهو خارج عن دائرة البحث :
٦ ـ « وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ٢ : ١٨٤ ».
فادعي أنها منسوخة بقوله تعالى :
« فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ : ١٨٥ ».
ودعوى النسخ في هذه الاية الكريمة واضحة الثبوت لو كان المراد من الطوق السعة والقدرة ، فإن مفاد الاية على هذا : أن من يستطع الصوم فله أن لا يصوم ويعطي الفدية : طعام مسكين بدلا عنه ، فتكون منسوخة.
ولكن من البين أن المراد من الطاقة : القدرة مع المشقة العظيمة. وحاصل المراد من الاية : أن الله تعالى بعد أن أوجب الصوم وجوبا تعيينيا في الاية السابقة ، وأسقطه عن المسافر والمريض ، وأوجب عليهما عدة من أيام أخر بدلا عنه ، أراد أن يبين حكما آخر لصنف آخر من الناس وهم الذين يجدون في الصوم مشقة عظيمة وجدها بالغا ، كالشيخ الهم ، وذي العطاش ، والمريض الذي استمر مرضه إلى شهر رمضان الاخر ، فأسقط عنهم وجوب الصوم أداء