أوامره ، ونشر أحكامه ، وأن لا يلتفت إلى أذى المشركين واستهزائم ، ولا علاقة لذلك بحكم القتال الذي وجب بعد ما قويت شوكة الاسلام ، وظهرت حجته ، نعم إن النبي الاكرم لم يؤمر بالجهاد في بادئ الامر ، لانه لم يكن قادرا على ذلك حسب ما تقتضيه الظروف من غير طريق الاعجاز ، وخرق نواميس الطبيعة ، ولما أصبح قادرا على ذلك ، وكثر المسلمون ، وقويت شوكتهم ، وتمت عدتهم وعدتهم أمر بالجهاد ، وقد أسلفنا أن تشريع الاحكام الاسلامية كان على التدريج وهذا ليس من نسخ الحكم الثابت بالكتاب في شئ.
٢٩ ـ « وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ١٦ : ٦٧ ».
فعن قتادة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وأبي رزين : أن هذه الاية منسوخة بتحريم الخمر (١).
والحق : ان الآية محكمة ، فإن القول بالنسخ فيها يتوقف على إثبات أمرين :
١ ـ أن يراد بلفظ سكرا الخمر والشراب المسكر ، والقائل بالنسخ لا يستطيع إثبات ذلك ، فإن أحد معانيه في اللغة الخل ، وبذلك فسره علي بن ابراهيم (٢) ، وعلى هذا المعنى يكون المراد بالرزق الحسن الطعام اللذيذ من الدبس وغيره.
٢ ـ أن تدل الآية على إباحة المسكر ، وهذا أيضا لا يستطيع القائل بالنسخ إثباته ، فإن الآية الكريمة في مقام الاخبار عن أمر خارجي ولا دلالة لها على
__________________
١ ـ الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٨١.
٢ ـ تفسير البرهان ج ١ ص ٥٧٧.