ثم ان القرآن يختص بخاصة اخرى ، وبها يتفوق على جميع المعجزات التي جاء بها الانبياء السابقون ، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر (١) ، وسوقهم إلى غاية كمالهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب الجفاة الطغاة ، المعتنقين أقبح العادات والعاكفين على الاصنام ، والمشتغلين ـ عن تحصيل المعارف وتهذيب النفوس ـ بالحروب الداخلية ، والمفاخرات الجاهلية فتكونت منهم ـ في مدة يسيرة ـ أمة ذات خطر في معارفها ، وذات عظمة في تاريخها ، وذات سمو في عاداتها. ومن نظر في تاريخ الاسلام وسبر تراجم أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المستشهدين بين يديه ، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته ، وكبير أثره ، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال ، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة ، ولا يعبأون بما تركوا من مال وولد وأزواج.
وإن كلمة المقداد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين شاور المسلمين في الخروج إلى بدر شاهد عدل على ما قلنا :
|
« يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ يعني مدينة الحبشة ـ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا ، ودعا له بخير (٢). |
__________________
١ ـ انظر قسم التعليقات لمعرفة الحاجة إلى ترجمة القرآن وشروطها برقم (٥).
٢ ـ تاريخ الطبري غزوة بدر ج ٢ ص ١٤٠ الطبعة الثاينة.