ومن لا يؤذيه؟ فالفأرة تفر من الهرة ، ولا تفر من الشاة ، وكيف يهتدي النمل والنحل إلى تشكيل جمعية وحكومة وبناء مساكن! وكيف يهتدي الطفل إلى ثدي أمه ، ويرتضع منه في بدء ولادته :
« قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ٢٠ : ٥٠ ».
وأما الهداية العامة التشريعية فهي الهداية التي بها هدى الله جميع البشر بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم ، فقد أتم الحجة على الانسان بافاضته عليه العقل وتمييز الحق من الباطل ، ثم بإرساله رسلا يتلون عليهم آياته ، ويبينون لهم شرائع أحكامه ، وقرن رسالتهم بما يدل على صدقها من معجز باهر ، وبرهان قاهر ، فمن الناس من اهتدى ، ومنهم من حق عليه الضلالة :
« إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٧٦ : ٣ ».
وأما الهداية الخاصة ، فهي هداية تكوينية ، وعناية ربانية خص الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته ، فيهيئ له ما به يهتدي إلى كماله ويصل إلى مقصوده ، ولو لا تسديده لوقع في الغي والضلالة ، هذا وقد أشير إلى هذا القسم من الهداية في غير واحد من الآيات المباركة ، قال عز من قائل :
« فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ٧ : ٣٠. قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ٦ : ١٤٩. لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ٢ : ٢٧٢. إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٦ : ١٤٤. وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٢ : ٢١٣. إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ٢٨ : ٥٦. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ