ومثله قول الامام ـ عليهالسلام ـ في خبر آخر : إنما عليك مشرقك ومغربك. ومن ذلك ما ورد عن الامام زين العابدين عليهالسلام في دعائه عند الصباح والمساء :
|
« وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا ، وأمدا ممدودا ، يولج كل واحد منهما في صاحبه ، ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد » (١). |
أراد صلوات الله عليه بهذا البيان البديع التعريف بما لم تدركه العقول في تلك العصور وهو كروية الارض ، وحيث أن هذا المعنى كان بعيدا عن أفهام الناس لانصراف العقول عن إدراك ذلك ، تلطف ـ وهو الامام العالم بأساليب البيان ـ بالاشارة إلى ذلك على وجه بليغ ، فإنه عليهالسلام لو كان بصدد بيان ما يشاهده عامة الناس من أن الليل ينقص تارة فتضاف من ساعاته إلى النهار ، وينقص النهار تارة اخرى فتضاف من ساعاته إلى الليل ، لاقتصر على الجملة الاولى : يولج كل واحد منهما في صاحبه ولما احتاج إلى ذكر الجملة الثانية : ويولج صاحبه فيه إذن فذكر الجملة الثانية إنما هو للدلالة على أن إيلاج كل من الليل والنهار في صاحبه يكون في حال إيلاج صاحبه فيه ، لان ظاهر الكلام أن الجملة الثانية حالية ، ففي هذا دلالة على كروية الارض ، وان إيلاج الليل في النهار ـ مثلا ـ عندنا يلازم إيلاج النهار في الليل عند قوم آخرين. ولو لم تكن مهمة الامام عليهالسلام الاشارة إلى هذه النكتة العظيمة لم تكن لهذه الجملة الاخيرة فائدة ، ولكانت تكرارا معنويا للجملة الاولى.
ولقد اقتصرنا في بيان إعجاز القرآن على هذه النواحي ، وفي ذلك كفاية ودلالة على أن القرآن وحي إلهي ، وخارج عن طوق البشر.
__________________
١ ـ الصحيفة السجادية الكاملة.