يا رسول الله (١) قد حان الرواح قال : «أجل» فنادى بلالاً من تحت شجرة كأنّ ظلها ظلّ طائر فقال : لبيك وسعديك ، وأنا فداك . فقال : «اسرج فرسي» فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيه أشر ولا بطر ، فركب وركبنا فضاممناهم (٢) عشيتنا .
قال : فلمّا تسامت (٣) الخيلان ولّى المسلمون مدبرين ، كما قال الله تعالى ، فقال رسول الله (ص) : «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله» ثمّ اقتحم (ص) عن فرسه ، وأخذ كفَّاً من تراب فقال : «شاهت الوجوه» فهزمهم الله تعالى .
قال يعلى بن عطاء : أخبرني أولئك ، عن آبائهم ، أنّهم قالوا : لم يبق منا أحد إلّا امتلأت عيناه وفوه تراباً ، وقتلوا ، وسمعنا صلصلة (٤) بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد .
١١١ / ١٤ ـ عن شرحبيل بن مسلم الخولاني ، قال : إنّ الأسود بن قيس العنسي بينا هو باليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فأتاه ، فقال له : أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : ما أسمع .
قال : فتشهد أن محمّداً رسول الله ؟ قال : نعم . فأمر بنار عظيمة فأججت ثمّ ألقى أبا مسلم الخولاني فيها ، فلم تضرّه ، فقيل للأسود : إنّك إن لم تنف هذا عنك ، أفسد عليك مَن اتّبعك ، فأمره بالرحيل .
___________________
(١) في جميع النسخ ما عدا نسخة ك زيادة : الرواح .
(٢) فضاممناهم : أي اجتمعنا عليهم من مسالك وجهات مختلفة «لسان العرب ـ ضمم ـ ١٢ : ٣٥٨» .
(٣) تسامت : أي تبارت «لسان العرب ـ سما ـ ١٤ : ٣٩٧» .
(٤) الصلصلة : صوت الحديد وهي أشد من الصليل «مجمع البحرين ـ صلصل ـ ٥ : ٤٠٨» .
١٤ ـ سير أعلام النبلاء ٤ : ٨ / ٨ ، باختلاف يسير ، تاريخ ابن عساكر ٧ : ٣١٧ ، مفصلاً ، حلية الأولياء ٢ : ١٢٨ ، البداية والنهاية ٨ : ١٤٩ ، إلى قوله ولم تضره .