فلم يزل الرضا عليه السلام معهم في ذلك اليوم إلى وقت الزوال ، فقال لهم ـ حين حضر وقت الزوال ـ : «أنا أصلّي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه ، وأعود إليكم بكرة إن شاء الله تعالى» .
قال : فأذّن عبد الله بن سليمان ، وأقام ، وتقدّم الرضا عليه السلام فصلَّى بالناس وخفّف القراءة وركع تمام السنّة ، وانصرف .
فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك ، فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية ، والجاثليق يسمع ، وكان فهماً بالرومية ، فقال الرضا عليه السلام بالرومية : «يا أمة الله أيّما أحبّ إليك : محمّد أو عيسى ؟» . فقالت : كان فيما مضى عيسى أحبّ إليّ ، حين لم أكن أعرف محمّداً ، فأمّا إن عرفت محمّداً فمحمدٌ الآن أحبُّ إليَّ من عيسى ، ومن كلِّ نبيّ .
فقال لها الجاثليق : فإذا كنت دخلت في دين محمّد ، فتبغضين عيسى ؟ قالت : معاذ الله بل أحبَّ عيسى وأؤمن به ، ولكنّ محمداً أحبُّ إليَّ .
فقال الرضا عليه السلام للجاثليق : «فسِّر للجماعة ما تكلمت به الجارية ، وما قلت أنت لها ، وما أجابتك به» .
ففسّر لهم الجاثليق ذلك كله ، ثم قال الجاثليق : يا ابن محمد ها هنا رجل سندي ، وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسنديّة ، فقال له : «أحضرنيه» . فأحضره ، فتكلم معه بالسنديّة ثم أقبل يحاجّه وينقله من شيء إلى شيء بالسنديّة في النصرانية ، فسمعتُ السنديّ يقول بالسنديّة ، ثبطى ثبطى ثبطلة (١) فقال الرضا عليه السلام : «قد وحّد الله تعالى بالسنديّة» .
___________________
(١) في ر ، ك ، م : نيطي نبطي نباطة .