أفارق ما أنا عليه .
فقيّده وغلّه (١) وحبسه ، وكتب إليَّ بخبره ، فأمرته بحمله إليَّ على حالته من القيود ، فلمّا مثل بين يدي زبرته ، وصحت به ، وقلت : أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب ؟! فقال : نعم . قلت : ويلك قتل من قتل ، وسبى من سبى بأمر الله تعالى ، وأمر النبيّ (ص) . فقال : ما أفارق ما أنا عليه ، ولا تطيب نفسي إلّا به .
فدعوت بالسياط والعقابين (٢) ، فأقمته بحضرتي (٣) ها هنا ، وظهره إليّ ، فأمرت الجلّاد فجلده مائة سوط ، فأكثر الصياح والغياث ، فبال في مكانه ، فأمرت به فنحي عن العقابين ، وأدخل ذلك البيت ـ وأومى بيده إلى بيت في الإيوان ـ وأمرت أن يغلق الباب عليه وإقفاله ، ففعل ذلك ، ومضى النهار ، وأقبل الليل ، ولم أبرح من موضعي هذا حتّى صلّيت العتمة .
ثمّ بقيت ساهراً أفكر في قتله وفي عذابه ، وبأي شيء أعذبه ، مرّة أقول : أضرب على علاوته ؛ ومرّة أقول : أقطع أمعاءه ، ومرّة أفكّر في تفريقه ، أو قتله بالسوط ، فلم أتم (٤) الفكر في أمره حتّى غلبتني عيني فنمت في آخر الليل ، فإذا أنا بباب السماء وقد انفتح ، وإذا النبيّ (ص) قد هبط وعليه خمس حلل ، ثمّ هبط عليّ عليه السلام ، وعليه ثلاث حلل ، ثمّ هبط الحسن عليه السلام ، وعليه حلتان ، ثم هبط الحسين وعليه حلتان ، ثمّ هبط جبرئيل عليه السلام وعليه حلّة
___________________
(١) في ص ، ش ، ك : غلقه .
(٢) العقابان : أحد أدوات التعذيب وهما خشبتان يمدد الرجل بينهما ويعصر . وكانت سابقاً يمد الرجل عليها الجلد أو الحبل ، انظر «لسان العرب ـ عقب ـ ١ : ٦٢١» .
وفي م : المعاقبين .
(٣) في هامش ص : بين يدي .
(٤) في ص : واستمر .