مالك ، احفر أنت وأصحابك» .
قال مالك : فاحتفرنا ، فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين ، فقال لنا : «روموها» فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل ، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها ، فدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله رافعاً يده إلى السماء ، وهو يقول : «طاب طاب مريا عالم طيثو ثابوثه (شميا كوبا (١) جانوثا نوديثا برحوثا) (٢) ، آمين آمين ربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون» ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً .
قال الأشتر : فظهر لنا ماء أعذب من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ثمّ ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب ، ثمّ ارتحل ، وسرنا معه .
فلمّا سرنا غير بعيد ، قال : «من منكم يعرف موضع العين ؟» فقلنا : كلنا يا أمير المؤمنين . فرجعنا وطلبنا العين ، فخفي علينا مكانها أشد خفاء ، وظننا أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد رهقه العطش فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة فيها راهب ، فدنونا منه ، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : يا راهب ، أعندك ماء نسقي منه صاحبنا ؟ فقال : عندي ماء ، قد استعذبته منذ يومين . فقلنا له : فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا بالأمس ؟! وحدّثناه بالأمر فدنا منّا بعد خشيته فقال : انطلقوا بنا إلى صاحبكم . فانطلقنا به ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «شمعون» ؟ قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أُمِّي ، ما أطلع عليه أحد ، إلّا الله تعالى ، ثمّ أنت ، فكيف عرفته ؟ قال : فأتم حتّى أتمه لك . قال : «وما تشاء يا شمعون ؟» قال : هذه العين ما اسمها ؟ قال : «هذه العين راحوما ، وهي من الجنّة ، وشرب منها ثلاثمائة وثلاثة عشر
___________________
(١) في ر ، ع ، ك : كوتا .
(٢) في م : سحنا لوباحا حاثوبا بودينا نرجوابا .