والمبرّؤون من الكذب ، والمطهّرون من الريب ، والمخصوصون بالاصطفاء ، والمكرّمون بالاجتباء ، والحجج على الخليقة ، والهداة إلى الطريقة ، بعثاً على حطّ رحل الطلب بفنائهم ، وفصل الحكم بقضائهم .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١)
ثمّ نفى الاختيار عن غيره ، وأضافه إلى أمره بقوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (٢) فتناسى أكثر الأمّة وصيّته ، واجتهدوا في إطفاء نوره ، وإخفاء نهجه (٣) ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، ويوضّح منهاجه ، ويزهر سراجه ، ويحيي معالمه ، ويرسي دعائمه ، فأمدّهم على تشردهم في الأقطار ، وتباعدهم في الديار ، ممّا تخرّ له الجباه (٤) ، وتتقلّص له الشفاه ، وتعنو له الرقاب ، وتتضاءل له الألباب من زواهر الآيات ، وبواهر البيّنات ، ما تأثره المقرّ والجاحد ، ويرويه الشامخ والمعاند ، وتزداد على مرّ الأيّام جدّة ، وعلى كرّ الأيّام عدّة ، وعلى كثرة الأعداء ظهوراً ، وعلى فترة الأولياء (٥) بهوراً ، لتأكيد الحجّة ، وتبيين المحجّة .
ثمّ إنِّي ذكرت ذات يوم من خصائصهم نتفاً (٦) ، ومن فضائلهم طرفاً ، بحضرة من هو شعبة من تلك الدوحة الغرّاء ، وزهرة من تلك الروضة الغناء ، فاستحسن واردها ، واستطرف (٧) شاردها ، واستحلى مذاقها ، واستوسع نطاقها ، وأشار بتصنيف أمثالها ، وتزويق ظلالها ،
___________________
(١) سورة التوبة / الآية : ١١٩ .
(٢) سورة القصص / الآية : ٦٨ .
(٣) في ش ، م ، ك : بهجته .
(٤) في ش ، م ، ص ، ع : بحركة الحياة .
(٥) في ر ، م : الألباء . والفترة : الضعف . «لسان العرب ـ فتر ـ ٥ : ٤٣» .
(٦) في ر ، ش ، م ، ك ، ص : نيفاً .
(٧) في ش ، ع ، م : واستطرد . وفي ر : واستطرب .