الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل ، وكان سبعين ورقة ، وكلّ مسألة تحتها بياض ، وقد أخذوا كلّ ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة ، وختموا على كلّ حزام بخاتم ، وقالوا : تحمل هذا الجزء (١) معك ، وتمضي إلى الإِمام ، فتدفع الجزءُ إليه ، وتبيّته عنده ليلة ، وعد عليه وخذه منه ، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب ، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإِمام ، فادفعه إليه وإلّا فرد أموالنا علينا .
قال أبو جعفر : فسرت حتّى وصلت إلى الكوفة ، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ووجدت على باب المسجد شيخاً مسنّاً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وقد تشنّج وجهه ، متزراً ببرد ، متشحاً بآخر ، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام ، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين عليه السلام ، فسألت من حضر عنده ، فقالوا : أبو حمزة الثمالي . فسلّمت عليه ، وجلست إليه ، فسألني عن أمري ، فعرّفته الحال ، ففرح بي وجذبني إليه ، وقبّل بين عيني وقال : لو تجدب (٢) الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم ، وإنّك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم .
فسررت بكلامه ، وكان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق ، وجلست معهم أتحدّث إذ فتح عينيه ، ونظر إلى البرية ، وقال : هل ترون ما أرى ؟ فقلنا : وأي شيء رأيت .
قال : أرى شخصاً على ناقة . فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلاً على جمل ، فأقبل ، فأناخ البعير ، وسلّم علينا وجلس ، فسأله الشيخ وقال : من أين أقبلت ؟ قال : من يثرب . قال : ما وراءك ؟ قال : مات جعفر بن محمّد عليهما السلام . فانقطع ظهري نصفين ، وقلت لنفسي :
___________________
(١) في ر : الحزم . وفي هامشها : الحزائم .
(٢) في م : تخرب . وفي ر : نحرت . وفي هامشها : تجرت .