أمّا بعد :
فقد كان الناس يطالبون كلَّ نبيٍّ مرسل ، أو وصيٍّ ، أن يريهم بعض المعجزات وخوارق العادات شرطاً لتصديقه والايمان به فذلك أثبتُ طريقٍ إلى معرفة صدقه واثبات صحّة نبوّته ووصايته ، فما هو المعجز ؟
«المعجز في اللغة : ما يجعل غيره عاجزاً ، ثمَّ تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن الاتيان بمثله .
وفي الشرع : هو كلُّ حادثٍ ، من فعل الله ، أو بأمره ، او تمكينه ، ناقضٌ لعادة الناس في زمان تكليف مطابق لدعوته ، أو ما يجري مجراه» (١) .
فالمعجزة إذن هي برهان ساطع ، ودليل قاطع ، وعلامة صدق ، يظهرها الله على يدي النبي أو الوصي عند دعائه او ادعائه ، يمكن للناس من خلالها التمييز بين الصادق والكاذب ، ودفع الشكِّ والريب فيه ، لئلا تبقى لهم حجّة في معصيته ومخالفته ، وليهلك مَن هلك عن بيّنة ويحيا من حيِّ عن بيّنة .
وللمعجز أحكامٌ وشروط لابدَّ من توفّرها ومعرفتها ، ذكر الشيخ المصنّف أربعة منها في مقدّمة كتابه هذا (٢) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ أعظم معجزات الأنبياء ، واشرفها منزلة وأسماها رتبة ، وأوضحها دلالة هي : (القرآن الكريم) الذي فرض اعجازه على كلِّ مَن سمعه على تفاوت مراتبهم في البلاغة ، واختلاف مشاربهم وتباين تخصصاتهم ؛ أعجزهم اُسلوبه ونظمه في الايجاز والإِطالة معاً ؛
___________________
(١) الخرائج والجرائح ٣ : ٩٧٤ .
(٢) راجع ص ٤٠ .