وجهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة عهد بغيث ، فإذا تربتها أطيب تربة ، ونظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف ، فقلت في نفسي : ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به ؟! فقصدته ، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين ، فسلّمت عليهما فردَّا رداً جميلاً وقالا : اجلس ، فقد أراد الله بك خيراً . وقام أحدهما فدخل ، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج ، فقال : قم فادخل . فقمت ودخلت قصراً لم أر شيئاً أحسن ولا أضوأ منه ، وتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ، ثمّ قال لي : ادخل ، فدخلت البيت وقد علق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلاً تكاد ظبته تمس رأسه ، وكان الفتى يلوح في ظلام ، فسلّمت ، فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه ثمّ قال : «أتدري من أنا ؟» فقلت : لا والله . فقال : «أنا القائم من آل محمّد (ص) ، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً» .
قال : فسقطت على وجهي وتعفرت ، فقال : «لا تفعل ، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها : همذان» قلت : صدقت يا سيدي ومولاي .
قال : «أفتحب أن تؤوب إلى أهلك ؟» قلت : نعم يا مولاي ، وأبشرهم بما يسّر الله تعالى . فأومأ إلى خادم وأخذ بيدي وناولني صرّة ، وخرج بي ومشى معي خطوات ، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة ومسجد ، فقال : أتعرف هذا البلد ؟ قلت : إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها . فقال : أتعرف أسد آباد ؟ فامض راشداً . فالتفت ولم أره .
ودخلت أسد آباد ، ونظرت فإذا في الصرّة أربعون ـ أو خمسون ديناراً ـ فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما يسّر الله تعالى لي ، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير .