وبعد هذا البيان لا يمكن القبول بالقول أن آدم قد أخطأ أو أن الله تعالى قد تعمّد تخطئته لحكمة منه ، فإذا كان الله عز وجل هو الذي خطأ آدم ، فما ذنبه حتى يعاقبه ويجعله من أهل الغواية.
ولو عدنا إلى الآية التي قالوا أنها جاءت في مورد عتاب له عليهالسلام وهي قوله تعالى : ( أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ) (١) نجد الشريف المرتضى رحمهالله يوجهها انطلاقاً من الخصائص البلاغية المتفردة للأسلوب القرآني بقوله : ( أما النهي والأمر فليس يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر فإنما يكون النهي نهياً بكراهة المنهي عنه فإذا قال تعالى : ( وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٢) ولم يكره قربها ، لم يكن في الحقيقة ناهياً ، كما أنه تعالى لمّا قال : ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ )(٣)( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (٤) ولم يرد ذلك ، لم يكن أمراً فإذا كان قوله : ( وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ ) أراد ترك التناول ، فيجب أن يكون هذا القول أمراً ، إن سمّاه منهي عنه ، ويسمّى أمره له نهي من حيث كان فيه معنى النهي ، لأن النهي ترغيبٌ في الامتناع عن الفعل وتزهيد في الفعل نفسه ، ولما كان الأمر ترغيباً في الفعل وتزهيداً في تركه ، جاز أن يُسميه نهياً ) (٥).
وينحى الشيخ الطوسي رحمهالله نفس المنحى بتوجيه الآية بما يثبت العصمة المطلقة بأن آدم عليهالسلام لم يرتكب قبيحاً لقيام الدلالة عنده على عصمته من سائر
___________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٢٢.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٩.
(٣) سورة فصلت : ٤١ / ٤٠.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ٢.
(٥) تنزيه الأنبياء : ٢٦.