ثمّ ذكر عدّة وجوه في بيان أنّه عليهالسلام لم يكذب في قوله ، إلى أن قال : « القول الثاني ، وهو قول طائفة من أهل الحكايات ، أنّ ذلك كذب ، واحتجّوا بما رُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لم يكذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات ، كلّها في ذات الله تعالى :
قوله : ( إِنِّي سَقِيمٌ ).
وقوله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا ).
وقوله لسارة : هي أُختي.
وفي خبر آخر أنّ أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة ، قال : إنّي كذبت ثلاث كذبات .. أمّا الخبر الأوّل وهو الذي رووه. فَلأنْ يُضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يُضاف إلى الأنبياء عليهمالسلام ، والدليل القاطع عليه أنّه لو جاز أن يكذبوا لمصلحة ويأذن الله تعالى فيه ، فلنجوّز هذا الاحتمال في كل ما أخبروا عنه ، وفي كلّ ما أخبر الله تعالى عنه ، وذلك يُعطّل الوثوق بالشرائع وتطرّق التهمة إلى كلّها ، ثمّ إنّ ذلك الخبر لو صحّ فهو محمول على المعاريض على ما قال عليه السلام : إنّ في المعارض لمندوحة عن الكذب.
فأمّا قوله : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) فلعلّه كان به سقم قليل ، واستقصاء الكلام فيه يجيء في موضعه.
وأمّا قوله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) فقد ظهر الجواب عنه.
وأمّا قوله لسارة : إنّها أُختي ، فالمراد : أنّها أُخته في الدين ، وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب إلى الأنبياء عليهم السلام ، فحينئذٍ لا يحكم بنسبة الكذب إلّا زنديق » (١).
وقد علمت أنّ البخاري ومن وافقه صدقوا بنسبة أبي هريرة الكذب إلى
___________
(١) التفسير الكبير ١١ : ١٨٦ ـ ١٨٧ في تفسير الآية (٦٣) من سورة الأنبياء.