( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ) (١) ، وبهذا حقّق إبراهيم عليهالسلام المقدّمة التامّة التي بنى عليها قوله بعد ذلك : ( أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ ) (٢) ، فأين الكذب إذن ؟!
ثمّ كيف يجوز على من اصطفاه الله لتبليغ رسالته أن يكذب ولو في غير التبليغ ؟
إنّ العقل السليم يمنع من ذلك لما فيه من نفرة الناس عمّن يكذب ، وسلب الوثوق بما يدّعيه ، وعدم اطمئنانهم بإخباره.
ومن ثمّ فإنّ الكذب قبيح في نفسه ولا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام كلّ قبيح ، ومن العجب أن يدّعي الطبري عدم استحالة إذن الله عزّوجلّ لإبراهيم في الكذب ، ليقرع قومه به ! كما نقلناه عنه فيما تقدّم ، إنّه تخرّص باطل ؛ إذ لو أذِن الله لأحد في الكذب لكان الكذب حسناً وهو محال ، الأمر الذي يجب معه القطع على أن خبر تكذيب الأنبياء عليهمالسلام كإبراهيم ويوسف صلوات الله عليهما ، لا أصل له وإنّما هو من افتراء أبي هريرة وغيره من رواة تلك الأكذوبة ، كما يجب تنزيه الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله عن نسبة ذلك لإبراهيم ، لأنّه صلىاللهعليهوآله أعرف بما يجوز على الأنبياء وما لا يجوز من كل أحد.
ويلاحظ هنا انّ تلك الكذبات المنسوبة إلى إبراهيم عليهالسلام زوراً قد اتّصفت بخصلتين عند مخطئي الأنبياء عليهمالسلام ، وهما :
الأولى : إنّها كانت ـ كما مرّ ـ كلّها في ذات الله عزّوجلّ لهداية قومه.
الثانية : احتمال إذن الله عزّوجلّ له في تلك الكذبات لمصلحة في الدين ،
___________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٦ ـ ٦٧.