ثمّ إنّ القضايا العقليّة التي يتناولها علم الأصول : إمّا أن تكون قضايا فعليّة وإمّا أن تكون قضايا شرطيّة.
فالقضيّة الفعليّة من قبيل إدراك العقل استحالة تكليف العاجز ، والقضيّة الشرطيّة من قبيل إدراك العقل ( أنّ وجوب شيء يستلزم وجوب مقدّمته ) ، فإنّ مردّ هذا إلى إدراكه لقضيّة شرطيّة مؤدّاها ( إذا وجب شيء وجبت مقدّمته ) ، ومن قبيل إدراك العقل ( أنّ قبح فعل يستلزم حرمته ) فإنّ مردّه إلى قضيّة شرطيّة مؤدّاها ( إذا قبح فعل حرم ).
الأمر الثالث : في القضايا الفعليّة والشرطيّة.
تنقسم القضايا العقليّة إلى قسمين باعتبار نفس القضيّة ، فإنّ القضايا إمّا أن تكون فعليّة وإمّا شرطيّة.
والمراد من القضيّة الفعليّة هي الحكم العقلي أو الإدراك العقلي الذي لا يتوقّف على ثبوت شيء في مرتبة سابقة عن نفس القضيّة المدركة ، فالعقل يدرك المطلب ويحكم بحكمه من دون أن يتوقّف على شيء آخر ، فهو حكم منجّز وفعلي من قبيل إدراك العقل لاستحالة تكليف العاجز ، فحكم العقل بالاستحالة هنا لا يتوقّف على ثبوت التكليف أوّلا ، بل إنّ تصوّر العقل لتكليف العاجز في الذهن يكفيه لإقامة البرهان تصديقا على استحالة تكليفه ؛ لكونه تكليفا بغير المقدور أو بما لا يطاق.
وبتعبير آخر : إنّ الحكم العقلي لا يتوقّف على ثبوت الموضوع في الخارج ، بل يكفي فرضه وتصوّره في الذهن.
بينما المراد من القضيّة الشرطيّة هو الحكم العقلي الذي يكون متوقّفا في رتبة سابقة على وجود حكم شرعي أوّلا ، ففي طول وجود هذا الحكم الشرعي يحكم العقل ، فحكمه إذا معلّق ومنوط بثبوت ذاك الحكم ، ولولاه لم يكن الحكم العقلي ثابتا.
ومثاله : إدراك العقل لوجوب المقدّمة ، فإنّ حكمه بوجوب المقدّمة فرع أن يكون ذو المقدّمة واجبا في رتبة سابقة ، إذ لو لم يكن الشيء واجبا أوّلا لم تكن مقدّماته واجبة على الخلاف الآتي في وجوب مطلق المقدّمة أو خصوص الموصلة.
فالحكم بوجوب تهيئة مقدّمات الحجّ من السفر ونحوه فرع وجوب الحجّ عليه أوّلا ، فلو فرض كون الحجّ مستحبّا لم تكن مقدّماته واجبة ، إذا وجوب المقدّمة إنّما