من الآمر ـ والذي هو الطلب التشريعي ـ كأن يأمر المولى عبده بتناول الدواء ، أو كان طلبه من المكلّف نفسه ـ والذي هو الطلب التكويني ـ كأن يسعى المريض بنفسه لتناول الدواء من دون طلب من أحد.
وشروط الاتّصاف تكون شروطا لنفس الإرادة في المرحلة الثانية ، خلافا لشروط الترتّب فإنّها شروط للمراد لا للإرادة ، من دون فرق في ذلك كلّه بين الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة.
فالإنسان لا يريد أن يشرب الدواء إلا إذا رأى نفسه مريضا ، ولا يريد من مأموره أن يشرب الدواء إلا إذا كان كذلك ، ولكنّ إرادة شرب الدواء للمريض أو لمن يوجّهه فعليّة قبل أن يتناول الطعام. ولهذا فإنّ المريض قد يتناول الطعام لا لشيء إلا حرصا منه على أن يشرب الدواء بعده وفقا لتعليمات الطبيب ، وهذا يوضّح أنّ تناول الطعام ليس قيدا للإرادة بل هو قيد للمراد ، بمعنى أنّ الإرادة فعليّة ومتعلّقة بالحصّة الخاصّة ، وهي شرب الدواء المقيّد بالطعام ، ومن أجل فعليّتها كانت محرّكة نحو إيجاد القيد نفسه.
المرحلة الثانية : مرحلة الإرادة ، وفي هذه المرحلة يمكننا أيضا أن نفترض شروط الاتّصاف وشروط الترتّب ، ولكن شروط الاتّصاف تكون راجعة إلى الإرادة نفسها ، بينما شروط الترتّب تكون راجعة إلى المراد لا إلى الإرادة. سواء كانت الإرادة تكوينيّة أم تشريعيّة.
وتوضيح ذلك : نأخذ المثال السابق : ( استعمال الدواء واجب للمريض بعد الطعام ). فهنا قيد الاتّصاف هو المرض كما تقدّم ، وقيد الترتّب هو بعد الطعام ، فالإنسان تحصل له إرادة لشرب الدواء فيما إذا كان مريضا فعلا ، وأمّا إذا لم يكن مريضا فلا تحصل له إرادة لذلك ، سواء كانت الإرادة تكوينيّة فيما إذا كان هو نفسه رأى أنّه مريض ، أو كانت تشريعيّة فيما إذا رأى أنّ مأموره مريض فعلا. فالمرض قيد للإرادة نفسها ، وهو من شروط الاتّصاف كما تقدّم.
وأمّا قيد الترتّب أي بعد الطعام فهو ليس شرطا للإرادة نفسها ؛ لوضوح أنّ المريض فعلا له إرادة لتناول الدواء سواء تناول الطعام أم لم يتناوله. نعم ، قيد بعد الطعام شرط لترتّب المراد ، فإنّ ترتّب الشفاء مقيّد بأن يكون شرب الدواء بعد الطعام ، فيكون تناوله