يشتمل في حقيقته على شيء زائد على أصل الوجوب ؛ لأنّه إمّا أن يرجع إلى وجوبات مشروطة ، أو إلى تعلّق الوجوب بالجامع ، وكلاهما يحتاج إلى عناية ومئونة. وهكذا يكون البحث عن الوجوب التخييري مثلا بحثا تحليليّا ، ويكون من جهة أخرى داخلا في القضايا العقليّة الفعليّة ؛ لأنّ إدراك العقل للوجوب التخييري لا يتوقّف على شيء في رتبة سابقة عليه.
ومثاله أيضا : العلاقة بين الحكم والموضوع ، فإنّ كلّ الأحكام الشرعيّة منصبّة على موضوعاتها المفترضة والمقدّرة الوجود ، فالحكم ثابت لثبوت موضوعه في عالم الجعل والاعتبار ، ولكنّه لا يصبح فعليّا وعلى ذمّة المكلّف إلا إذا صار موضوعه فعليّا في الخارج ، فيكون الحكم في طول ثبوت وتحقّق الموضوع في الخارج ، فهل هذه الطوليّة في الرتبة بين الحكم والموضوع مجرّد طوليّة ، أو أنّها راجعة إلى السببيّة والعلّيّة فيكون ثبوت الموضوع سببا وعلّة لثبوت الحكم؟
وهذا البحث وتحليله وتفسيره ينفع في كثير من الموارد التي يثبت فيها الموضوع ثمّ يعصي المكلّف الحكم أو يعجّز نفسه عنه ، فإنّه هل يبقى الحكم ثابتا في حقّه مع انتفاء الموضوع أم لا؟
وينفع أيضا في المسئوليّة تجاه مقدّمات أو قيود الحكم بعد تحقّق موضوعه.
وهذا بحث تحليلي عقلي لاكتشاف هذه العلاقة بعد الفراغ عن ثبوتها والإيمان بها ، وكونها فعليّة وناجزة وغير متوقّفة على ثبوت شيء آخر قبلها ، بل هي مدركة لدى العقل مباشرة وبنفسها.
والآخر : القضايا الفعليّة التركيبيّة : وهي من نوع القضايا العقليّة الفعليّة التي لا تتوقّف على ثبوت شيء مسبقا ، ولكنّها ليست مبحوثة لدى العقل على أساس التحليل فقط ، وإنّما بعد الفراغ عن تحليلها وإدراكها وتصوّر معناها وتحديده من مختلف جوانبه وجهاته يبحث عن إمكان أو استحالة هذه القضيّة ، فتكون مركّبة من شيئين : ثبوت شيء أوّلا وتصوّره في العقل ، ثمّ الحكم عليه بالإمكان أو الاستحالة ثانيا. ولذلك سمّيت تركيبيّة ، من قبيل : أخذ العلم بالحكم قيدا في موضوعه ، فإنّه يبحث عن إمكان أو استحالة مثل هذا التقييد بعد الفراغ عن تصوّره وتحديد معناه.