وهذا البحث العقلي حول أخذ العلم بالحكم قيدا في موضوعه يعتبر قضيّة عقليّة فعليّة ؛ لأنّ البحث ليس متوقّفا على ثبوت شيء في رتبة سابقة عنه ، ويعتبر قضيّة تركيبيّة ؛ لأنّ البحث فيها عن إثبات حكم تصديقي لهذه القضيّة العقليّة ، أي إثبات شيء لشيء.
وهنا لا ينفع مجرّد التحليل لهذه القضيّة ، بل لا بدّ من إقامة الدليل العقلي والبرهان على الإمكان أو الاستحالة ، فهو بحث تصديقي وليس مجرّد تصوّر وتحليل لظاهرة ما ، بعد الفراغ عن ثبوتها ووقوعها في الخارج.
والقضايا الشرطيّة : إمّا أن يكون الشرط فيها مقدّمة شرعيّة ، من قبيل المثال الأوّل لها ، وإمّا ألاّ يكون كذلك ، من قبيل المثال الثاني لها.
وكلّ القضايا الشرطيّة التي يكون شرطها مقدّمة شرعيّة تسمّى بالدليل العقلي غير المستقلّ ؛ لاحتياجها في مقام استنباط الحكم منها إلى إثبات تلك المقدّمة من قبل الشارع.
وكلّ القضايا الشرطيّة التي يكون شرطها مقدّمة غير شرعيّة تسمّى بـ ( الدليل العقلي المستقلّ ) ؛ لعدم احتياجها إلى ضمّ إثبات شرعي.
الأمر الخامس : في تقسيم القضايا الشرطيّة.
تنقسم القضايا الشرطيّة ـ وهي ما كان الحكم العقلي فيها متوقّفا على ثبوت شيء في رتبة سابقة ـ إلى نوعين :
أحدهما : القضايا الشرطيّة التي يكون الشرط فيها مقدّمة شرعيّة ، وتسمّى بـ ( الدليل العقلي غير المستقلّ ).
مثال ذلك : وجوب المقدّمة ، فإنّ حكم العقل بوجوب المقدّمة كما تقدّم متوقّف على ثبوت وجوب ذي المقدّمة في رتبة سابقة ، وذو المقدّمة هنا حكم شرعي كوجوب الحجّ أو وجوب الصلاة ، فإنّ حكم الشارع بوجوب الحجّ أو الصلاة يعتبر شرطا شرعيّا لحكم العقل بوجوب المقدّمة ، ولو لا ثبوت الحكم الشرعي المذكور لم يحكم العقل بوجوب المقدّمة.
وإنّما سمّي هذا النوع بغير المستقلاّت العقليّة ؛ لأنّ العقل لا يمكنه أن يحكم بوجوب المقدّمة إلا بعد فرض ثبوت وجوب ذيها. فكان حكم العقل متوقّفا على