تقدّم أنّ الإشكال يمكن إثارته على مستوى الملاك والمصلحة لأنّه الأساس ، وبما أنّ شيئا من الجواب المتقدّم لا يفي بحلّه فيقال باستحالة الشرط المتأخّر ؛ لأنّ الاتّصاف أو الترتّب الراجعين إلى أصل المصلحة أو إلى ترتّبها يرتبطان بأمر واقعي حقيقي هو لا يمكن أن يكون منوطا ومسبّبا عن أمر متأخّر ؛ لأنّه يلزم منه تأثير المعدوم في الموجود أو تأخّر العلّة عن المعلول.
ومن هنا التزموا باستحالة الشرط المتأخّر ، وأوّلوا الموارد التي ظاهرها إناطة الوجوب أو الواجب بأمر متأخّر بما يرجع إلى أمر مقارن ، من قبيل عنوان التعقّب أو اللحوق.
فمثلا يقال في اشتراط صحّة ونفوذ عقد الفضولي وترتّب الأثر عليه ـ وهو الملكيّة والنقل والانتقال بالإجازة المتأخّرة ـ : إنّ ما هو شرط ليس نفس الإجازة وإنّما الشرط في الحقيقة هو عنوان التعقّب واللحوق ، بمعنى أنّ عقد الفضولي الملحوق والمتعقّب بالإجازة يترتّب عليه أثره وينفذ ، وعنوان اللحوق والتعقّب مقارن لصدور العقد من الفضولي يكشف عنه بالإجازة.
وهكذا الحال بالنسبة لشرطيّة الغسل الليلي لصحّة صوم المستحاضة في اليوم السابق ، فإنّ الشرط ليس هو عنوان الغسل بنفسه ، وإنّما الشرط هو لحوق الصوم بالغسل أو تعقّب الصوم بالغسل ، وهذا الشرط أي اللحوق أو التعقّب مقارن للصوم والغسل كاشف عنه فقط (١).
__________________
(١) هذا ، ولكنّ الصحيح هو أنّ الإشكال هنا غير وارد أيضا ، ويمكن دفعه بأحد أمور ثلاثة :
الأوّل : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) : من أنّ الإشكال هنا نشأ من أخذ الملاك على أساس أنّه المصلحة ، والتي هي أمر تكويني ، ولكن يمكننا أن نفترض الملاك شيئا آخر وهو عنوان الحسن والقبح ، وهما أمران عقليّان وليسا أمرين تكوينيّين خارجيّين ليرد الإشكال.
وحينئذ فالعقل ينتزع عنوان الحسن والقبح عن الشيء وشرطه ، وهذا الانتزاع العقلي لا فرق فيه بين أن يكون الشرط متقدّما أو مقارنا أو متأخّرا ، فإنّ المكلّف إذا حقّق الشرط المطلوب منه كان فعله حسنا ، وإذا تخلّف عنه كان قبيحا.
الثاني : ما يذكره السيّد الشهيد من أنّ القيود والشروط ليست دائما سببا وعلّة ومؤثّرة في إيجاد أصل المصلحة ، أو في ترتّب استيفاء المصلحة من الفعل ليلزم الإشكال ، بل يمكن أن تكون بأحد نحوين آخرين : أحدهما : أن يكون القيد أو الشرط من المقدّمات المعدّة .....