المستقلاّت العقليّة ، رجع إلى القضايا العقليّة الفعليّة ليبحث عن كونها من أيّ القسمين هي ، فهل هي من المستقلاّت العقليّة أم من غير المستقلاّت؟
فقال : أمّا القضايا الفعليّة التركيبيّة : فهي تعتبر أدلّة عقليّة مستقلّة ؛ وذلك لعدم احتياجها إلى أيّة مقدّمة شرعيّة في عمليّة الاستنباط منها ؛ لأنّ البحث فيها ينصّب حول الإمكان أو الاستحالة ، وهذا بحث عقلي محض ولا يتوقّف على ثبوت شيء آخر من الشارع في مرتبة سابقة ، فاستحالة تكليف العاجز مثلا التي يثبتها العقل لا تتوقّف على كون الصلاة أو الصوم أو الحجّ أو أي حكم شرعي آخر واجبا ، بل بقطع النظر عن حكم الشرع يحكم العقل بالاستحالة.
ولا يقال : إنّ القضايا الفعليّة التركيبيّة لمّا لم تكن محتاجة إلى ضمّ مقدّمة شرعيّة ، فهي إذا لا يستنبط منها حكم شرعي فلا تدخل في علم الأصول حينئذ ؛ لأنّ ما يستنبط منها هو الاستحالة أو الإمكان فقط.
وهذا ليس حكما شرعيّا ؛ لأنّه يجاب بأنّ هذه القضايا تدخل في علم الأصول ؛ وذلك لأنّ إثبات الاستحالة في مورد يلزم منه نفي الحكم الشرعي في فرضه ، فإنّنا إذا أثبتنا استحالة تكليف العاجز بحكم العقل ، فهذا يطبّق على كلّ مورد كان فيه المكلّف عاجزا لننفي عنه التكليف الشرعي في فرض عجزه عنه ، ونفي التكليف كإثبات التكليف يدخل في علم الأصول ؛ لأنّه متوقّف على استنباطه من القواعد الأصوليّة ؛ إذ القاعدة الأصوليّة ليست مختصّة في إثبات التكليف فقط ، بل نفي التكليف مطلوب أيضا من القاعدة الأصوليّة.
وأمّا القضايا الفعليّة التحليليّة : فهي أيضا داخلة في المستقلاّت العقليّة ؛ لأنّها لا تتوقّف على ضمّ شيء آخر إليها ، وإنّما العقل يبحثها بحثا تحليليّا لكشف بعض الجوانب والحقائق فيها ، كالبحث عن حقيقة الوجوب التخييري ، وأنّه وجوب واحد أو وجوبان مشروطان ، أو كالبحث عن حقيقة العلاقة بين الحكم وموضوعه ، فإنّ هذا البحث التحليلي العقلي لا يحتاج إلى افتراض وجود أو ضمّ الحكم الشرعي ، بل بقطع النظر عن الحكم الشرعي يبحث العقل هذا الأمر.
وهي أيضا داخلة في علم الأصول ؛ وذلك لأنّها تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، وذلك عن طريقين :