فهذا لا يمكن إثباته من نفس الدليل المذكور ؛ لأنّ القاعدة تقتضي أنّه إذا سقط المدلول المطابقي سقط بتبعه المدلول الالتزامي ، فمع سقوط الوجوب والتكليف يسقط الملاك إلا إذا كانت القدرة المأخوذة عقليّة ، فإنّ الملاك يبقى ولو سقط المدلول المطابقي أي الوجوب بالعجز أو التعجيز ، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى دليل خاصّ غير دليل الواجب المذكور ، فإنّه لا يفيد أكثر من دخالة القدرة وأمّا على أي وجه هي فلا يتعرّض له.
إلا أنّه يعلّق على ذلك بأنّه قد تقدّم أنّ القدرة إذا أخذت في الخطاب وفي لسان الدليل كانت شرعيّة فتكون دخيلة في الملاك ، فيسقط الملاك تبعا لسقوط التكليف في حالات العجز والتعجيز ، وإن كانت غير مأخوذة في الدليل فهي عقليّة وهي لا تكون دخيلة في الملاك ؛ بمعنى أنّ الملاك فعلي حتّى مع العجز ، فمع سقوط الوجوب بسبب العجز لا يسقط الملاك ولا يتبعه في ذلك ؛ لأنّه يثبت في حالات العجز.
وبهذا يظهر لنا تماميّة الوجوه الثلاثة بناء على تماميّة مبانيها ، فإذا قبلنا المباني كانت هذه الوجوه وافية لتخريج وجوب المقدّمات المفوّتة (١).
__________________
(١) والصحيح برأي السيّد الشهيد هو أن يقال : إنّ الوجوه المذكورة كلّها ناظرة إلى الإرادة التشريعيّة ، أو الأوامر والأغراض التشريعيّة ، مع أنّ المشكلة نفسها موجودة في الأغراض والإرادة التكوينيّة.
ومن هنا إذا حللنا المشكلة بلحاظ الأغراض التكوينيّة فسوف تنحلّ المشكلة هناك أيضا ؛ لأنّ الإرادة التشريعيّة ليست إلا الإرادة التكوينيّة عمليّا ، غاية الأمر أنّه في التكوينيّات يتحرّك الشخص نفسه بينما في التشريعيّات يحرّك غيره.
وعلى هذا فنقول : إنّ الإنسان إذا علم بأنّه سوف يعطش في زمان استقبالي ، فإنّه يهيئ مقدّمات الارتواء فيحمل معه الماء قبل أن يشرع في سفره فضلا عن زمان حدوث العطش ، وهنا نسأل لما ذا قام بتهيئة المقدّمات مع أنّها ليست مطلوبة نفسيّا ، وإنّما المطلوب النفسي هو الشرب والارتواء لا حمل الماء؟ تماما كالإنسان الذي يجب عليه الحجّ عند ما يستطيع ويكون بعيدا عن مكّة ، فإنّه يهيئ مقدّمات السفر للكون في الميقات والإحرام منه وللإتيان بالعمرة ليكون على تمام الاستعداد للوقوف بعرفات بزوال يوم التاسع من ذي الحجّة ، فإنّ السفر ومقدّماته إنّما هي لأجل الوقوف وهو لم يدخل زمانه بعد ، فلما ذا تجب؟
والجواب عن ذلك : أنّه في الأمور والأغراض التكوينيّة توجد إرادة استقباليّة ، وهذه الإرادة تنحلّ إلى إرادتين :