كالإتيان بأطراف العلم الإجمالي مثلا كما إذا شكّ في وجوب الظهر أو الجمعة ، فالإتيان بالصلاتين يعتبر مقدّمة علميّة لتحصيل الواجب وإحرازه.
وهنا بحثوا في تعلّق الوجوب الغيري في هذه الأقسام أو في بعضها فقط ، فقالوا : أمّا المقدّمة العلميّة فلا شكّ ولا خلاف في عدم تعلّق الوجوب الغيري بها ؛ وذلك لأنّها ليست مقدّمة للإتيان بالواجب ، بل هي مقدّمة لإحرازه ، بمعنى أنّ الواجب لا يتوقّف الإتيان به على هذه المقدّمة بل يوجد من دونها ، فإنّ المكلّف يمكنه أن يصلّي الظهر فقط أو العصر فقط ، وليست إحدى الصلاتين موقوفة على الأخرى ، وإنّما الذي يتوقّف على هذه المقدّمة العلميّة هو تحصيل العلم بأنّه قد أتى بالواجب ؛ لأنّه بالجمع بين الصلاتين يحرز أنّه أتى بالواجب يقينا. إذا فهي خارجة عن محلّ الكلام ؛ لأنّ البحث موضوعه المقدّمة التي يتوقّف عليها الواجب. نعم ، هي واجبة من باب تحصيل الفراغ اليقيني ومن باب الاحتياط.
وأمّا المقدّمة العقليّة فلا إشكال ولا خلاف في تعلّق الوجوب الغيري بها ـ على القول بالملازمة طبعا ـ وذلك لأنّ طيّ المسافة مثلا لمّا كان يتوقّف عليها الإتيان بالحجّ تكوينا فيحكم العقل بوجوبها ، وعلى أساس الملازمة يحكم الشارع بوجوبها الغيري.
وأمّا المقدّمة الشرعيّة كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ، فقد وقع الخلاف بينهم في تعلّق الوجوب الغيري بها وعدمه. ولذلك قال السيّد الشهيد :
إذ ذهب بعض الأعلام كالمحقّق النائيني رحمهالله (١) إلى أنّ المقدّمة الشرعيّة كالجزء تتّصف بالوجوب النفسي الضمني ، وعلى هذا الأساس أنكر وجوبها الغيري.
ودعوى الوجوب النفسي للمقدّمة الشرعيّة تقوم على افتراض أنّ مقدّميّتها بأخذ الشارع لها في الواجب النفسي ، ومع أخذها في الواجب ينبسط عليها الوجوب.
ونردّ على هذه الدعوى بما تقدّم (٢) من أنّ أخذها قيدا يعني تحصيص الواجب بها وجعل الأمر متعلّقا بالتقيّد ، فيكون تقيّد الفعل بمقدّمته الشرعيّة واجبا نفسيّا ضمنيّا لا القيد نفسه.
__________________
(١) فوائد الأصول ١ : ٢٦٥.
(٢) تحت عنوان : المسئوليّة تجاه القيود والمقدّمات.