أمّا الملاك الثاني وهو ضيق قدرة المكلّف عن الجمع بين التكليفين بلحاظ عالم الامتثال والمتطلّبات فهو غير وارد هنا ؛ وذلك لأنّ المكلّف يمكنه أن يجمع بين الامتثالين فيصلي في مكان آخر غير ما تعلّق به النهي ، فيكون قد جمع بين التكليفين ممّا يعني أنّه قادر على امتثالهما معا من دون أي محذور.
وأمّا الملاك الأوّل وهو التنافي والتضادّ بين الأمر والنهي بلحاظ الملاكات والمبادئ.
فقد يقال بأنّ هذا الملاك منتف أيضا ؛ وذلك لأنّ الأمر لمّا كان متعلّقا بالجامع ـ والمفروض أنّه لا يسري إلى الفرد أو الحصّة ـ فسوف تكون مبادئ الأمر من المصلحة والمحبوبيّة متعلّقة بالجامع ، والنهي لمّا كان متعلّقا بالفرد أو الحصّة المعيّنة فسوف تكون مبادئ النهي من المفسدة والمبغوضيّة متعلّقة بالفرد أو الحصّة.
ولكن حيث إنّ الأمر والنهي يعرضان على الصورة الذهنيّة المفروضة والمقدّرة الوجود بما هي حاكية عن الخارج ، فمتعلّق الأمر حيث إنّه متعلّق بالجامع فهو لا يري إلا الطبيعة مجرّدة. بينما متعلّق النهي يري الحصّة أو الفرد مع المشخّصات الخارجيّة.
ومن الواضح أنّ الطبيعة كصورة مرئيّة بالجامع غير الفرد المشخّص المرئي بالتقييد. وعليه ، فيكون متعلّق الأمر والنهي متغايرين ليس فقط بلحاظ المفهوم ، بل بلحاظ ما ينطبق عليه المفهوم ، وحينئذ لا تكون مبادئهما قد اجتمعت على شيء واحد.
وبعبارة أخرى : أنّ المعروض للأمر والنهي مختلف فمعروض الأمر هو الجامع البدلي وهو لا ينطبق إلا على الطبيعة ، بينما معروض النهي هو الحصّة أو الفرد وهو لا ينطبق إلا على الفرد مع المشخّصات الخارجيّة ، فلا يلزم اجتماع المبادئ والملاكات على شيء واحد ؛ لعدم اتّحاد معروضهما.
إلا أنّ السيّد الشهيد يعلّق على هذا القول بقوله :
وهذا مبنيّ على بحث تقدّم في التخيير العقلي ، وأنّه هل يستبطن تخييرا شرعيّا ووجوبات مشروطة للحصص ولو بلحاظ عالم المبادئ؟
فإن قيل باستبطانه ذلك لم يجد اختلاف المتعلّقين بالإطلاق والتقييد في التغلّب على السبب الأوّل للتنافي ؛ لأنّ وجوب الجامع يسري ولو بمبادئه إلى الحصص.
وإن أنكرنا الاستبطان المذكور اتّجه القول بعدم التنافي وجواز الأمر بالمطلق