فتارة نبني الجواز وعدم التعارض على أساس تعدّد المعنون ، فهنا إذا أوقع الصلاة في المكان المغصوب وقلنا بأنّ ما هو موجود في الخارج متعدّد ، فلا إشكال في صحّة صلاته وكونها مجزية عن المأمور به ؛ لأنّه يمكنه أن يأتي بالصلاة قاصدا التقرّب بها إلى المولى ، وإن كان من جهة أخرى يعتبر عاصيا لكونه موجودا في المكان المغصوب ، فيكون ما أتى به في الخارج مصداقا للمأمور به غاية الأمر كونه قد انضمّ إليه مصداق آخر وهو الغصب.
وأخرى نبني الجواز وعدم التعارض على أساس كفاية تعدّد العنوان وإن كان المعنون واحدا.
فهنا يشكل صحّة الصلاة ؛ لأنّ الموجود الخارجي لمّا كان شيئا واحدا وفعلا واحدا فقط ، فهو يتّصف بعنوان الحرمة لكونه مصداقا للنهي فيكون مبغوضا للمولى ، فإذا أراد أن يمتثل بهذا الفعل المبغوض للمولى للأمر الصلاتي كان معناه أنّه يريد التقرّب بالفعل المبغوض.
ومن المعلوم أنّ العبادة يشترط فيها قصد القربة بمعنى كون الفعل مطلوبا ومحبوبا للمولى ويمكن التقرّب به إليه ، وفي مقامنا وإن كان فعل الصلاة مطلوبا حتّى لو كان في المكان المغصوب بناء على الجواز ، إلا أنّه ليس محبوبا للمولى ؛ لتعلّق المبغوضيّة فيه لكونه غصبا.
وبتعبير آخر : إنّ الفعل الصلاتي الغصبي فيه المقتضي ؛ وذلك لأنّ إطلاق الواجب يشمله بناء على كفاية تعدّد العنوان ، فهو من هذه الجهة يسمّى صلاتا ويعتبر مصداقا للصلاة ، إلا أنّه يوجد ما يمنع من صحّة هذه الصلاة وهذا المانع هو كون هذا الفعل واحدا في الحقيقة والوجود ، والمفروض أنّ النهي متعلّق به فهو مبغوض في نفسه ، وحينئذ يمتنع التقرّب بالفعل المبغوض للمولى.
فالإشكال هنا ليس من ناحية كونه صلاة ، فإنّ الإطلاق في الأمر يشمله ولكن الإشكال من ناحية قصد القربة ، فإنّه لا يتحقّق في هذه الفرضيّة فلا تقع الصلاة صحيحة ؛ لأنّ قصد القربة شرط فيها والمفروض أنّه غير ممكن فتقع الصلاة باطلة (١).
__________________
(١) وهذا الإشكال قد يجاب عنه بأنّه إذا كان تعدّد العنوان كافيا للجواز فلن يجتمع الأمر والنهي على شيء واحد لا في الذهن ولا في الخارج.