وفي كلّ حالة حكمنا فيها بعدم صحّة العمل من أجل افتراض التعارض ، فلا يختلف الحال في ذلك بين الجاهل والعالم بها ؛ لأنّ التعارض تابع للتنافي بين الوجوب والحرمة ، وهذا التنافي قائم بين وجوديهما الواقعيّين بقطع النظر عن علم المكلّف وجهله.
وفي كلّ حالة حكمنا فيها بعدم صحّة العمل من أجل كونه عبادة وتعذّر قصد التقرّب به فينبغي أن يخصّص البطلان بصورة تنجّز الحرمة ، وأمّا مع الجهل بها وعدم تنجّزها فالتقرّب بالفعل ممكن فيقع عبادة ، ولا موجب للبطلان حينئذ.
وهنا تنبيه يعقده السيّد الشهيد للتنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّنا إذا حكمنا بعدم صحّة العمل بملاك التعارض بين الدليلين فهذا لا يختلف الحال فيه بين العالم والجاهل.
والآخر : أننا إذا حكمنا بعدم صحّة العمل بملاك عدم إمكان التقرّب فهذا يفصّل فيه بين العالم والجاهل.
أمّا الأمر الأوّل : فإذا قيل بالامتناع ووقوع التعارض بين الدليلين ، فهذا يؤدّي إلى بطلان العمل وعدم كونه مصداقا للمأمور به سواء كان المكلّف عالما بالحرمة أم جاهلا بها ، وسواء كان الواجب عباديّا أم توصّليّا.
والدليل على ذلك : هو أنّ التعارض بين الدليلين معناه التنافي بينهما سواء في عالم المبادئ أم في عالم الجعل ، فهناك تناف بينهما لأجل التنافي بين المحبوبيّة والمبغوضيّة ، ولأجل التنافي بين الإيجاب والتحريم أيضا ، وهذا التنافي موجود بلحاظ الواقع ، أي أنّه يوجد تضادّ وتناف واقعي ؛ لأنّه تابع للوجود الواقعي للأمر والنهي أو للإيجاب والتحريم ، ووجودهما الواقعي هو عالم الجعل والتشريع ، بمعنى أنّه يستحيل وجودهما معا في عالم الجعل والتشريع.
__________________
أمّا عدم اجتماعهما في الذهن فلأنّ مفهوم الصلاة شيء مباين لمفهوم الغصب.
وأمّا عدم اجتماعهما في الخارج فلأنّ امتثال الصلاة بالفعل المتّحد إنّما يكون من جهة انطباق عنوان الصلاة عليه ، فهو يقصد التقرّب بالعنوان المنطبق على هذا الفعل لا بالفعل بما هو كذلك. ولذلك لا مانع من أن يتقرّب بما أتى به بعنوان كونه صلاة ، فإنّه بهذا العنوان لم يتعلّق به النهي ولا مبادئه.