ومن الواضح أنّ قصد القربة إنّما هو في خصوص العبادات دون التوصّليّات ؛ لأنّه لا يشترط فيها قصد القربة.
وأمّا عدم تماميّته في حال الجهل بالحرمة ، فلأنّ عدم إمكان التقرّب بالمبغوض فيما إذا كان يعلم بأنّ العبادة مبغوضة للمولى ، وهذا فرع تنجّزها عليه وهذا لا يكون إلا بوصولها والعلم بها ، فمع الجهل بها لا تكون الحرمة متنجّزة عليه ، ولذلك يمكن أن يتأتّى منه قصد القربة ؛ لأنّه لا يعتقد بوجود المبغوضيّة بالعبادة التي يأتي بها ؛ لعدم علمه بحرمتها.
وأمّا تماميّته في الحرمة النفسيّة والغيريّة معا ، فلأنّ الحرمة الغيريّة معناها حرمة المقدّمة التي تكون علّة أو جزء العلّة للحرام ، فيكون الحرام النفسي المبغوض للمولى مستلزما لمبغوضيّة مقدّمته ، ومع كون المقدّمة مبغوضة لا يمكن ثبوت الأمر بها ؛ لأنّ لازمه كونها محبوبة أيضا ، فيلزم اجتماع المبغوضيّة والمحبوبيّة على شيء واحد ، وهو مستحيل.
وأمّا الملاك الثالث : فهو يختصّ بالعبادات دون التوصّليّات ، ويختصّ أيضا بفرض تنجّز الحرمة والعلم بها دون حالة الجهل ، ويختصّ أيضا بالحرمة النفسيّة لا الغيريّة.
أمّا اختصاصه بالعبادات دون التوصّليّات ، فلأنّه يبتني على أنّ التقرّب لا يمكن أن يكون بما هو معصية قبيحة ، وهذا فرع اشتراط قصد القربة ، وفي التوصّليّات لا يشترط قصد القربة. إذا فمجرّد كونها معصية قبيحة عقلا لا يمنع من صحّتها.
وأمّا اختصاصه بصورة العلم دون الجهل ، فلأنّ عدم إمكان قصد التقرّب بالمعصية القبيحة إنّما هو فرع وصولها وتنجّزها ، وأمّا مع عدم وصول الحرمة وعدم تنجّزها على المكلّف فلا تكون فعليّة ، ولذلك فهو لا يعتقد بحرمة ما يأتي به ويمكنه أن يتأتّى منه قصد القربة به.
وأمّا عدم شموله للحرمة الغيريّة ، فلأنّ الحرمة الغيريّة كما تقدّم في بحث الوجوب الغيري ، ليس فيها عقوبة زائدة على العقوبة الموجودة في الحرام النفسي ، فإذا فعل المقدّمة التي تؤدّي إلى الحرام لا يكون قد فعل معصيتين ليستحقّ