الأهمّ كان مقيّدا ـ بالإضافة إلى القيد الذي استقلّ العقل به وهو ألاّ يكون مشتغلا بواجب أهمّ أو مساو ـ بعدم المانع الشرعي ، أي بعدم وجود حكم على الخلاف ، فإنّه إذا وجد الواجب الآخر على خلافه فإنّه يكون مانعا من الأخذ بالأهمّ حتّى وإن كان ذاك الواجب أقلّ أهمّيّة منه.
ومثاله : ما إذا وجب على شخص زيارة الحسين عليهالسلام في يوم عرفة لنذر ونحوه ، ثمّ استطاع للحجّ قبل ذلك فصار الحجّ واجبا عليه ، فهنا وجوب الوفاء بالنذر وإن كان أهمّ ملاكا من وجوب الحجّ إلا أنّه مقيّد بعدم المانع الشرعي ؛ وذلك لأنّ مثل قوله عليهالسلام : « أنّ شرط الله قبل شرطكم » يكون مقيّدا لأدلّة الشروط وكلّ ما علّق على شرط كالنذر ونحوه.
وهذا معناه أنّ وجوب الحجّ يعتبر مانعا شرعيّا من الوفاء بالنذر ، وحينئذ يمتنع تقديم الأهمّ ملاكا في هذه الحالة لوجود المانع الشرعي ، بينما يقدّم الواجب الأقلّ أهمّيّة لعدم وجود مثل هذا القيد فيه ، فهنا مطلبان ابدّ من بيانهما بالتفصيل :
أمّا الأوّل فلأنّه ينفي بنفسه موضوع الوجوب الآخر ؛ لأنّ وجوب الحجّ ذاته ـ وبقطع النظر عن امتثاله ـ مانع شرعي عن الإتيان بمتعلّق الآخر ، فهو حكم على الخلاف ، والمفروض اشتراط وجوب الوفاء بعدم ذلك ، فلا موضوع لوجوب الوفاء مع فعليّة وجوب الحجّ.
وأمّا الثاني فلأنّ أهمّيّة أحد الوجوبين ملاكا إنّما تؤثّر في التقديم في حالة وجود هذا الملاك الأهمّ ، فإذا كان مفاد أحد الدليلين مشروطا بعدم المانع الشرعي دلّ ذلك على أنّ مفاده حكما وملاكا لا يثبت مع وجود المانع الشرعي ، وحيث إنّ مفاد الآخر مانع شرعي ، فلا فعليّة للأوّل حكما ولا ملاكا مع فعليّة مفاد الآخر ، وفي هذه الحالة لا معنى لأخذ أهمّيّة ملاك الأوّل بعين الاعتبار.
أمّا المطلب الأوّل : وهو عدم تقديم الأهمّ ملاكا فيما إذا كان مقيّدا بعدم المانع الشرعي ، فلأنّ تقييده بهذا القيد معناه أنّه إذا وجد المانع الشرعي فلا يكون وجوب الأهمّ ثابتا ، وإنّما ينتفي لانتفاء موضوعه ، ومع انتفائه لا معنى لتقديمه ؛ لأنّ تقديم الأهمّ ملاكا على غيره إنّما يكون بعد فرض ثبوت وتحقّق وجوب الأهمّ. وأمّا مع عدم ثبوته فيكون الكلام عن تقديمه لغوا ولا موضوعيّة له.