وهنا وجوب الوفاء بالنذر أو الشرط وإن كان أهمّ إلا أنّه لمّا كان مقيّدا بعدم المانع فيكون وجوب الحجّ بنفسه ـ سواء كان مشتغلا به أم لا ـ مانعا عن ثبوت وجوب الوفاء بالنذر الأهمّ ، ومع عدم ثبوته لا معنى لتقديمه ؛ لأنّ التقديم متأخّر رتبة عن ثبوت الشيء في نفسه ، بمعنى أنّ الشيء لا بدّ أن يثبت أوّلا ثمّ يأتي الكلام في تقديمه وعدمه ، وهنا وجوب الوفاء لا ثبوت له أصلا مع وجود وجوب الحجّ المانع شرعا عن ثبوته.
وأمّا المطلب الثاني : وهو تقديم وجوب الأقلّ أهمّيّة على الأهمّ ملاكا المقيّد بعدم المانع ، فلأنّه مع فرض ثبوت وجوب الحجّ بتحقّق الاستطاعة وشروطها يصبح فعليّا ، ومع صيرورته فعليّا يتحقّق بذلك فعليّة المانع الشرعي ، ومع تحقّق المانع الشرعي الفعلي يرتفع موضوع الأهمّ ملاكا ؛ لأنّه مقيّد بعدم ثبوت هذا المانع الشرعي ، فينتفي وجود الأهمّ حكما وملاكا ، ومع انتفائه كذلك يصبح وجوب الحجّ الفعلي بلا مزاحم ؛ لأنّ مزاحمه قد انتفى في رتبة سابقة لعدم تحقّق موضوعه وشرطه أو لتحقّق المانع عنه.
وبتعبير آخر : إنّ الأهمّ ملاكا من الواجبين المتزاحمين إنّما يؤخذ به في حالة وجوده وثبوته ، ومع كونه مقيّدا بعدم المانع فلا وجود ولا ثبوت له فيما إذا تحقّق المانع ، فيكون وجوب الحجّ محقّقا لهذا المانع فينتفي موضوع الأهمّ رأسا ، ومع انتفائه كذلك لا معنى للكلام عن تقديمه لأهمّيّته ؛ لأنّه لا وجود له أصلا.
ومن هنا نصل إلى النتيجة التالية : أنّ المقيّد بالقدرة العقليّة فقط يتقدّم على المقيّد بالقدرة العقليّة والشرعيّة معا ، حتّى وإن كان أقلّ أهمّيّة منه.
وقد يطلق على الحكم المقيّد بالتقييد الزائد المفروض أنّه مشروط بالقدرة الشرعيّة ، ويطلق على ما لا يكون مقيّدا بأزيد ممّا يستقلّ به العقل بأنّه مشروط بالقدرة العقليّة.
وعلى هذا الأساس يقال : إنّه في حالات التزاحم يقدّم المشروط بالقدرة العقليّة على المشروط بالقدرة الشرعيّة ، فإن كانا معا مشروطين بالقدرة العقليّة جرى قانون الترجيح بالأهمّيّة.
غير أنّ نفس مصطلح المشروط بالقدرة الشرعيّة وما يقابله قد يطلق على معنى آخر مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) ، فلاحظ ولا تشتبه.
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور.