وليس في هذا القول دلالة على زوال اعتقاده السابق بوقوع النجاسة ، وإلا لكان المناسب لذلك أن يعبّر عنه بقوله : « فلم أره » فإنّه يحتمل الوجهين.
وأمّا عدم الإصابة للموضع تفصيلا فليس فيه دلالة على قاعدة اليقين لا بالمطابقة ولا بالاستلزام ، بل غاية ما يستفاد منه أنّه حاول بالفحص العثور على الموضع لكنّه لم يقدر على ذلك ، وهذا معناه العلم الإجمالي بأصل النجاسة والشكّ في موضعها.
وفي السؤال الثالث : افترض زرارة أنّه ظنّ الإصابة ففحص فلم يجد فصلى فوجد النجاسة ، فأفتى الإمام بعدم الإعادة ، وعلّل ذلك بأنّه كان على يقين من الطهارة فشكّ ولا ينبغي نقض اليقين بالشكّ.
وهذا المقطع هو الموضع الأوّل للاستدلال ، وفي بادئ الأمر يمكن طرح أربع فرضيّات في تصوير الحالة التي طرحت في هذا المقطع.
وأمّا السؤال الثالث : فكان عمّن ظنّ أنّ ثوبه قد أصابته النجاسة ففحص عن ذلك فلم يجد شيئا ، ولذلك دخل في الصلاة ، ثمّ بعد الفراغ منها وجد النجاسة على ثوبه.
وهنا حكم الإمام بصحّة الصلاة ووجوب غسل الثوب للأعمال اللاحقة ، وعلّل ذلك بقاعدة الاستصحاب ؛ وذلك لأنّه كان على يقين بالطهارة أوّلا ثمّ شكّ في زوالها بسبب الظنّ في إصابة الثوب للنجاسة فلم يفحص ولم يجد النجاسة فصار شاكّا في أنّ ثوبه هل لا يزال طاهرا أم لا؟
فهنا لا ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ ، وهذا الحكم بعدم لزوم إعادة الصلاة كان تطبيقا لقاعدة الاستصحاب بشكل واضح وجلي.
وأمّا الحكم بلزوم غسل الثوب فمن أجل أنّه صار متيقّنا من نجاسته بعد أن فرغ من الصلاة ووجد النجاسة عليه ، وهذه الفقرة هي الموضع الأوّل للاستدلال على الاستصحاب ، ولذلك لا بدّ من تنقيح الكلام فيها واستعراض ما يحتمل أن يقال فيها ، ومن هنا توجد احتمالات أربعة يمكن افتراضها بادئ الأمر منشؤها أمران :
الأوّل : قوله : « فنظرت ولم أر شيئا » حيث إنّه يحتمل فيه القطع بعدم الإصابة ويحتمل فيه مجرّد عدم العلم بالإصابة.
الثاني : قوله : « فصلّيت فرأيت فيه » حيث إنّه يحتمل فيه رؤية النجاسة التي ظنّها