بأنّ المسوّغ للصلاة مع احتمال النجاسة الظنّ بعدمها الحاصل من الفحص ، وحيث إنّ هذا الظنّ يزول بوجدان النجاسة بعد الصلاة على نحو يحتمل سبقها كان زرارة يترقّب ألاّ يكتفي بالصلاة الواقعة.
فإن تمّ هذا الردّ فهو ، وإلا ثبت تنزيل الرواية على إجراء الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة ، ويصل الكلام حينئذ إلى الجهة الثالثة.
ويرد عليه : أنّ وجه الاستغراب من حكم الإمام بعدم الإعادة يمكن أن يكون شيئا آخر وهو : أنّ زرارة لمّا ظنّ الإصابة ثمّ فحص ولم يجدها ظنّ بعدمها وصلّى ، ثمّ رأى النجاسة واحتمل سبقها على الصلاة ، فكانت رؤيته للنجاسة مع احتمال سبقها رافعا للظنّ بعدم الإصابة قبل الصلاة والذي على أساسه سوّغ لنفسه الدخول في الصلاة ، فلمّا ارتفع المسوّغ اعتقد أنّ حكم صلاته هو البطلان واللازم إعادتها ، فلمّا حكم الإمام بصحتها وعدم لزوم إعادتها استغرب ذلك ؛ لأنّ المبرّر الذي اعتقده قد ارتفع ، فكيف تكون صحيحة؟ (١).
فإن لم يتمّ هذا الوجه وادّعي جريان الاستصحاب حال الصلاة كما هي مقالة المشهور فهنا سوف نواجه إشكالا نطرحه في الجهة الثالثة.
__________________
(١) هذا وجه ، فإن تمّ فهو ، وإلا فيمكن ذكر وجوه أخرى في المقام :
منها : إنّ هذه الرواية من القوي جدّا كونها عن الإمام الباقر عليهالسلام وهذا يعني أنّها في أوائل حياة زرارة ، أي قبل تفقّهه وتعلّمه ، فيكون سؤاله واستغرابه نتيجة عدم علمه بالقواعد والأصول.
ويؤيّده سؤاله عن أشياء لا تخفى على إنسان متعلّم ، كسؤاله عن وجوب الفحص عند الشكّ البدوي وكسؤاله عن منجّزيّة العلم الإجمالي.
ومنها : يحتمل أن يكون زرارة قد اخترع هذه الأسئلة من أجل إشباع البحث في المسألة زيادة في التفقّه والتعلّم ، ولذلك شقّق المسألة إلى فروع وصور من أجل استدراج الإمام لإعطائه المزيد من القواعد والأصول والنكات الكلّية العامّة.
ومنها : يحتمل أنّه بعد أن فحص ولم يجد حصل له الاطمئنان بعدم الإصابة ، فلمّا وجد النجاسة بعد الصلاة واحتمل سبقها استغرب حكم الإمام بعدم الإعادة ، باعتبار أنّ الاطمئنان والذي هو حجّة عنده قد زال وارتفع فلم يبق ما يبرّر الحكم بالصحّة ولذلك سأل عن علّة ذلك.
وبهذا يكون جريان الاستصحاب حال السؤال.