مثال ذلك : أن تقوم الأمارة ـ كخبر الثقة مثلا ـ على نجاسة الثوب ثمّ يشكّ بعد ذلك في تطهيره ، فهل يجري استصحاب بقاء نجاسته أم لا؟
وكما إذا قامت الأمارة ـ كخبر الثقة مثلا ـ على أنّ الماء المتغيّر بأوصاف النجاسة نجس ، ثمّ شككنا في بقاء هذه النجاسة بعد زوال التغيّر من نفسه ، فهل يجري استصحاب بقاء كونه نجسا أيضا إلى ما بعد زوال التغيّر أم لا؟
وهذا الإشكال لا يرد فيما إذا كان الركن هو الحدوث ، فإنّه كما يتحقّق الحدوث باليقين كذلك يتحقّق بالأمارة ؛ لأنّها معا طريقان معتبران شرعا ، فأحدهما يحقّق الحدوث وجدانا والآخر يحقّقه تعبّدا ، وإذا تحقّق الموضوع ترتّبت عليه الآثار الشرعيّة ومنها جريان الاستصحاب.
وقد أفيد في جواب هذه المشكلة عدّة وجوه :
الوجه الأوّل : ما ذكرته مدرسة المحقّق النائيني ـ قدس الله روحه ـ (١) من أنّ الأمارة تعتبر علما بحكم لسان دليل حجّيّتها ؛ لأنّ دليل الحجّيّة مفاده جعل الطريقيّة وإلغاء احتمال الخلاف تعبّدا ، وبهذا تقوم مقام القطع الموضوعي لحكومة دليل حجّيّتها على الدليل المتكفّل لجعل الحكم على القطع.
ومعنى الحكومة هنا أنّ دليل الحجّيّة يحقّق فردا تعبّديّا من موضوع الدليل الآخر ، ومن مصاديق ذلك قيام الأمارة مقام اليقين المأخوذ في موضوع الاستصحاب ، وحكومة دليل حجّيّتها على دليله.
وهذا الإشكال وجدت عدّة أجوبة عليه لتخريج قيام الأمارة مقام اليقين المأخوذ في موضوع الاستصحاب ، بحيث يكون ثبوت الحالة السابقة بغير اليقين كافيا لجريان الاستصحاب مع الاحتفاظ بركنيّة اليقين بالحدوث ، وأهمّ هذه الوجوه هو :
الوجه الأوّل : ما ذكرته مدرسة الميرزا بناء على تصوّرات الميرزا في حقيقة الحكم الظاهري.
وحاصله : أنّ دليل الحجّيّة مفاده جعل العلميّة والطريقيّة للأمارات ، بخلاف الأصول فإنّ مفاد دليلها جعل الوظيفة العمليّة وتحديدها.
وهذا يعني أنّ دليل حجّيّة الأمارة يجعل الأمارة علما تعبّدا ويلغي احتمال الخلاف
__________________
(١) فوائد الأصول ٣ : ٢١ ـ ٢٢.