والحاصل : أنّ الشكّ في المحصّل معناه لزوم الاحتياط استنادا إلى أنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وحيث إنّنا نعلم بالغرض ؛ لأنّ الأحكام تابعة للملاكات ، وحيث إنّنا لا نعلم ببراءة الذمّة من الغرض عند الإتيان بالأقلّ لاحتمال أن يكون الأكثر هو المحصّل للغرض دون الأقلّ فيجب الاحتياط بالإتيان بالأكثر.
ووجوب الإتيان بالأكثر لا من باب الاحتياط في التكليف بلحاظ الشكّ فيما هو المكلّف به ، ليقال بأنّ الأقلّ معلوم يقينا والأكثر مشكوك فينفى بالبراءة ، بل وجوب الأكثر هنا من باب الاحتياط في تحصيل الغرض المطلوب والذي هو أمر آخر اشتغلت به الذمّة إضافة إلى التكليف ، فالذمّة هنا مشغولة بالتكليف ومشغولة بالغرض ، والتكليف يكفي فيه الأقلّ لجريان البراءة عن الزائد ، بينما الغرض لا يكفي فيه إلا الأكثر عند الشكّ في تحصيله ؛ لأنّه أمر وحداني بسيط وليس مركّبا كالتكليف.
ويلاحظ على ذلك :
أوّلا : أنّه من قال بأنّ الغرض ليس مردّدا بين الأقلّ والأكثر كنفس الواجب؟
بأن يكون ذا مراتب وبعض مراتبه تحصل بالأقلّ ولا تستوفى كلّها إلا بالأكثر ، ويشكّ في أنّ الغرض الفعلي قائم ببعض المراتب أو بكلّها ، فيجري عليه نفس ما جرى على الواجب.
ويرد على هذا البرهان أمران :
الأمر الأوّل : أن ننكر كون الغرض واحدا بسيطا في جميع الموارد ، بل تارة يكون واحدا وأخرى يكون متعدّدا وذا مراتب ، وحينئذ نقول : كما يحتمل في مقامنا أن يكون الغرض واحدا وبسيطا ، وبالتالي حيث يعلم بوجوده واشتغال الذمّة به يقينا ويشكّ في تحقّقه بالأقلّ ، فيجب الإتيان بالأكثر من باب الفراغ اليقيني.
فكذلك يحتمل أن يكون الغرض متعدّدا ؛ وذلك لأنّ الغرض عبارة عن الحسن والقبح الذاتيّين في المتعلّق أو المصلحة والمفسدة فيه ، فيحتمل أن يكون الغرض المطلوب مترتّبا على جميع الأفعال بنفسها لكونه حسنة مثلا ، بأن يكون كلّ جزء وكلّ فعل فيه مصلحة بذاته لكونه حسنا ، فيكون لدينا مجموعة من المصالح لا مصلحة واحدة فقط.
فإذا كان كلّ واحد منهما محتملا ، فيعقل حينئذ أن يكون الغرض كالتكليف