وبهذا ظهر أنّ المكلّف وإن كان يعلم بوجوب الأقلّ على كلّ حال ، إلا أنّه بلحاظ تحصيل الخروج عن العهدة للتكليف الذي اشتغلت به الذمّة لا بدّ له من الاحتياط والإتيان بالأكثر.
ووجوب الأكثر هنا ليس بابه باب الاحتياط في الإتيان بالتكليف الزائد ليقال : إنّ احتمال التكليف الزائد مجرى للبراءة ، بل بابه باب الاحتياط في الخروج عن عهدة التكليف الذي اشتغلت به الذمّة.
فالأكثر في نفسه ليس واجبا وإنّما يجب بلحاظ كونه مقدّمة لتحقيق الامتثال والفراغ اليقيني.
والجواب على ذلك : أنّ الشكّ في سقوط تكليف معلوم إنّما يكون مجرى لأصالة الاشتغال فيما إذا كان بسبب الشكّ في الإتيان بمتعلّقه ، وهذا غير حاصل في المقام ؛ لأنّ التكليف بالأقلّ ـ سواء كان استقلاليّا أو ضمنيّا ـ قد أتي بمتعلّقه بحسب الفرض ، إذ ليس متعلّقة إلا الأقلّ ، وإنما ينشأ احتمال عدم سقوطه من احتمال قصور في نفس الوجوب بلحاظ ضمنيّته المانعة عن سقوطه مستقلاّ عن وجوب الزائد.
وهكذا يرجع الشكّ في السقوط هنا إلى الشكّ في ارتباط وجوب الأقلّ بوجوب زائد.
والجواب على هذا البرهان أن يقال : إنّ الشكّ في سقوط التكليف المعلوم دخوله في العهدة على نحوين :
الأوّل : أن يكون الشكّ ناشئا من الشكّ في الإتيان بالتكليف ، أي أنّه لا يعلم هل أتى بمتعلّق التكليف أو لا؟
فهنا سوف يشكّ في أنّه امتثل المأمور به أو لا ، وبالتالي سوف يشكّ في سقوط التكليف وخروجه عن عهدته أو أنّه لا يزال مشغول الذمّة به ، وهذا الشكّ هو مورد قاعدة الاشتغال اليقيني المستدعي للفراغ اليقيني.
الثاني : أن يكون الشكّ ناشئا من الشكّ في أنّ التكليف هل هو متعلّق بهذا المقدار الذي أتى به أو أنّه متعلّق بشيء آخر أيضا زائدا عليه؟ فهنا يعلم بأنّ ما أتى به متعلّقا للتكليف يقينا وأنّ الذمّة مشتغلة به يقينا ، إلا أنّه يشكّ في اشتغاله بشيء آخر