الوجوب المعلوم على تقدير كونه استقلاليّا ؛ لحصول الامتثال ، ولا يسقط على تقدير كونه ضمنيّا ؛ لأنّ الوجوبات الضمنيّة مترابطة ثبوتا وسقوطا ، فما لم تمتثل جميعا لا يسقط شيء منها.
وهذا يعني أنّ المكلّف الآتي بالأقلّ يشكّ في سقوط وجوب الأقلّ والخروج عن عهدته ، فلا بدّ له من الاحتياط.
وليس هذا الاحتياط بلحاظ احتمال وجوب الزائد ، حتّى يقال : إنّه شكّ في التكليف ، بل إنّما هو رعاية للتكليف بالأقلّ المنجّز بالعلم واليقين ، نظرا إلى أنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
البرهان الثالث : ويقوم على أساس إبراز أنّ المورد من موارد الشكّ في المحصّل بلحاظ الخروج عن عهدة التكليف الذي اشتغلت الذمّة به يقينا ، والذي يكون مجرى لأصالة الاحتياط والاشتغال العقلي.
وحاصله : أنّنا لو سلّمنا بانحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الأقلّ وشكّ بدوي في وجوب الأكثر ، إلا أنّه مع ذلك يجب الإتيان بالأكثر ولا يكفي الاقتصار على الأقلّ.
ببيان : أنّ الأقلّ بحسب الفرض معلوم وجوبه تفصيلا ، إلا أنّه مع ذلك مردّد بين كونه واجبا استقلاليّا فيما إذا كان الواجب الأقلّ وحده أو واجبا ضمنيّا فيما إذا كان الواجب الأقلّ ضمن الأكثر ، وهذا معناه اشتغال الذمّة يقينا بالأقلّ على كلا التقديرين ، ويجب إخراجها عن عهدته وإبراؤها منه يقينا ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
وعليه فإذا اقتصر في الامتثال والخروج عن العهدة بالإتيان بالأقلّ وحده ، سوف يعلم ببراءة ذمّته ممّا اشتغلت به على تقدير كون الأقلّ الذي اشتغلت به الذمّة هو الأقلّ الاستقلالي ، وأمّا على تقدير كون الأقلّ الداخل في العهدة هو الأقلّ الضمني فالذمّة لا تزال مشتغلة به ولم تخرج عن عهدته ؛ لأنّ الوجوبات الضمنيّة حيث إنّها مترابطة فيما بينها في عالم الثبوت فهي مترابطة فيما بينها أيضا بلحاظ عالم الامتثال والسقوط والخروج عن العهدة ، إذ الوجوب الضمني لا يمتثل إلا ضمنا ، أي أنّ الأقلّ الضمني لا يتحقّق امتثاله إلا بلحاظ كونه ضمنيّا ، وهذا لا يتأتّى إلا بالإتيان بالأكثر لكي يتحقّق عنوان الضمنيّة للأقلّ.