ولا تتوقّف فعليّة الحكم على فعليّة الموضوع في الخارج ، إذ لا يوجد في الخارج حكم وراء الحكم في عالم الجعل.
وما ذكره الميرزا نشأ من قياس القضايا الجعليّة على القضايا الحقيقيّة التكوينيّة ، كالحكم على النار بالحرارة ، فإنّه في القضايا التكوينيّة يكون الحكم فعليّا تبعا لفعليّة موضوعه في الخارج ، فالنار لا تتّصف بالحرارة إلا في الخارج لا في الذهن.
إلا أنّ هذا لا يسري إلى القضايا الجعليّة ؛ لأنّ فعليّتها تكون بجعلها وتشريعها على موضوعها الفعلي أيضا في عالم الجعل والتشريع الذي هو وعاء وواقع هذه القضايا.
وعلى هذا يجري الاستصحاب في نفسه فيقال : إنّ الحرمة كانت فعليّة ومتيقّنة للعنب عند ما كان رطبا ، وبعد جفافه يشكّ في بقاء الحرمة له عند غليانه فيجري استصحابها.
والثاني بالنقض ومفاده : أنّه لو كانت فعليّة الحكم تابعة لفعليّة الموضوع في الخارج ، لزم عدم جريان استصحاب الحكم المجعول الكلّي الذي يكون الموضوع فيه مقدّر الوجود.
فمثلا نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال التغيّر لا يمكن استصحابها ؛ لأنّ الموضوع مقدّر الوجود فيها ، والمفروض أنّ الحكم الفعلي تابع لفعليّة الموضوع في الخارج ، وهذا يعني أنّه لن يتمكّن المجتهد من إجراء هذا الاستصحاب ، وإنّما يجري الاستصحاب الفعلي الجزئي والذي هو من شئون المكلّف لا المجتهد.
وهذا مخالف للوجدان العرفي والارتكاز الفقهي.
ونلاحظ على الجواب المذكور : أنّ المجعول إذا لوحظ بما هو أمر ذهني فهو نفس الجعل المنوط بالوجود اللحاظي للشرط وللموضوع على ما تقدّم في الواجب المشروط (١) ، إلا أنّ المجعول حينئذ لا يجري فيه استصحاب الحكم بهذا اللحاظ إذ لا شكّ في البقاء ، وإنّما الشكّ في حدوث الجعل الزائد على ما عرفت سابقا (٢).
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي من الجزء الأوّل للحلقة الثالثة ، تحت عنوان : قاعدة إمكان الوجوب المشروط.
(٢) في بيان جريان الاستصحاب في المجعول ، ضمن البحث عن التفصيل بين الشبهة الحكميّة والشبهة الموضوعيّة ، تحت عنوان : عموم جريان الاستصحاب.