ويجعل هناك ملازمة بين الحرمة والغليان ، وإن أريد إثبات التعبّد الشرعي بهذه السببيّة حيث إنّها كانت معلومة حدوثا ومشكوكة بقاء فالاستصحاب يجري ، لكنّه لا أثر له شرعا ؛ لأنّ الأثر الشرعي ليس مجعولا على عنوان السببيّة فلا تكون دخيلة في العهدة ، وإنّما الأثر الشرعي مجعول على الغليان.
وبتعبير آخر : أنّ الأحكام الوضعيّة كالسببيّة ونحوها من الأحكام الوضعيّة المنتزعة من أحكام العقل لا الشرع ، فإثبات هذا العنوان بنفسه لا أثر له شرعا لعدم جعله شرعا ، وإثباته للتوصّل به إلى الحكم التكليفي الذي له أثر شرعا لا يتمّ إلا بالملازمة العقليّة والأصل المثبت.
والجواب الآخر لمدرسة المحقّق العراقي (١) ، وهو يقول : إنّ الاعتراض المذكور يقوم على أساس أنّ المجعول لا يكون فعليّا إلا بوجود تمام أجزاء الموضوع خارجا ، فإنّه حينئذ يتعذّر استصحاب المجعول في المقام ، إذ لم يصبح فعليّا ليستصحب.
ولكنّ الصحيح : أنّ المجعول ثابت بثبوت الجعل ؛ لأنّه منوط بالوجود اللحاظي للموضوع لا بوجوده الخارجي ، فهو فعلي قبل تحقّق الموضوع خارجا.
وقد أردف المحقّق العراقي ناقضا على المحقّق النائيني : بأنّه أليس المجتهد يجري الاستصحاب في المجعول الكلّي قبل أن يتحقّق الموضوع خارجا؟!
الجواب الثاني : ما ذكره المحقّق العراقي ، وحاصل ما أفاده يرجع إلى أمرين :
الأوّل : جواب حلّي ، مفاده : أنّ الاعتراض المذكور مبني على التفكيك بين الجعل والمجعول ، بمعنى وجود نحوين من الحكم : أحدهما في عالم الجعل ، والآخر في عالم المجعول.
إلا أنّ هذا المبنى غير صحيح ؛ لأنّ الجعل والمجعول بالنسبة للحكم شيء واحد ؛ وذلك لأنّ الحكم الشرعي عبارة عن تلك القضيّة الجعليّة التي واقعها عالم الجعل والتشريع ، وهي بهذا المعنى توجد فعلا ؛ لأنّ الشارع حينما يجعل الحكم يجعله على موضوعه الموجود فعلا في لحاظه ونفسه ، فالحكم فعلي تبعا لفعليّة موضوعه في عالم الجعل والتشريع.
__________________
(١) مقالات الأصول ٢ : ٤٠٠.