أوّلا : أنّ ما ذكر من كون المنجّز هو الحكم الفعلي غير صحيح ، إذ هو ناشئ من تصوّرات الميرزا للحكم وكونه ينحلّ إلى الجعل والمجعول ، فالحكم في عالم الجعل ليس منجّزا ؛ لأنّه عبارة عن تلك القضيّة التشريعيّة الجعليّة ، وأمّا في عالم المجعول أي فعليّة الحكم التابع لفعليّة الموضوع فيكون الحكم منجّزا ، ولذلك يرد إشكال الأصل المثبت والملازمة العقليّة ؛ لأنّ المستصحب هو الحكم المشروط وهو ليس فعليّا ، وإنّما يصبح فعليّا عند تحقّق الشرط بحكم العقل لا الشرع.
إلا أنّ هذا المبنى غير تامّ لما تقدّم منّا من أنّ منجّزيّة الحكم تابعة لوصول الكبرى والصغرى معا ، فإنّه يكفي حينئذ أن تصل إحداهما تعبّدا ، والأخرى وجدانا.
وفي مقامنا حيث يجري استصحاب تلك القضيّة الشرطيّة التعليقيّة ـ بناء على ما ذكرناه في ردّ الاعتراض الأوّل من كون القيدين طوليّين ـ فيثبت لنا بالتعبّد الاستصحابي وصول الكبرى أي ( حرمة العنب الجافّ إذا غلى ) ؛ لأنّ هذه الكبرى كانت معلومة وجدانا عند ما كان العنب رطبا وشكّ في بقائها بعد صيرورته جافّا فجرى استصحابها.
وأمّا الصغرى وهي الغليان فالمفروض أنّها ثابتة بالوجدان ؛ لأنّنا وضعنا هذا العنب الجافّ على النار وغلى ، وبذلك تكون الحرمة منجّزة لوصول كبراها بالتعبّد وصغراها بالوجدان.
وثانيا : أنّ دليل الاستصحاب إذا بنينا على تكفّله لجعل الحكم المماثل كان مفاده في المقام ثبوت حكم مشروط ظاهري ، وتحوّل هذا الحكم الظاهري إلى فعليّ عند وجود الشرط لازم عقلي لنفس الحكم الاستصحابي المذكور لا للمستصحب ، وقد مرّ بنا سابقا (١) أنّ اللوازم العقليّة لنفس الاستصحاب تترتّب عليه بلا إشكال.
وثانيا : إذا قلنا بأنّ المجعول في الاستصحاب هو الحكم المماثل للحكم الواقعي المشكوك ـ بناء على مسلك جعل الحكم المماثل ـ فسوف يثبت لنا عند استصحاب تلك القضيّة التعليقيّة الشرطيّة حكم مشروط ظاهري ، وهو حرمة العنب الجافّ إذا غلى.
__________________
(١) في نهاية البحث الوارد تحت عنوان : مقدار ما يثبت بالاستصحاب.