والجواب الآخر : ما ذكره الشيخ الأنصاري (١) والمحقّق النائيني (٢) من أنّ الاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي.
ويمكن أن يقال في توجيه ذلك : أنّ استصحاب القضيّة الشرطيّة للحكم إمّا أن يثبت فعليّة الحكم عند تحقّق الشرط ، وإمّا ألاّ يثبت ذلك ، فإن لم يثبت لم يجر في نفسه ، إذ أي أثر لإثبات حكم مشروط لا ينتهي إلى الفعليّة.
وإن أثبت ذلك تمّ الملاك لتقديم استصحاب الحكم المعلّق على استصحاب الحكم المنجّز وحكومته عليه ، وفقا للقاعدة المتقدّمة في الحلقة السابقة (٣) القائلة :
إنّه كلّما كان أحد الأصلين يعالج مورد الأصل الثاني دون العكس قدّم الأصل الأوّل على الثاني.
الجواب الثاني : ما ذكره الشيخ الأنصاري والميرزا النائيني من حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي فيقدّم الأوّل على الثاني ، ولا معارضة بينهما.
ووجه الحكومة أن يقال : إنّ استصحاب القضيّة الشرطيّة القائلة : ( بأنّ العنب إذا غلى حرم ) تارة يراد بها إثبات فعليّة الحرمة عند تحقّق الشرط وأخرى لا يراد بها ذلك.
فإن لم يكن المراد بها إثبات الحرمة الفعليّة ، بل اقتصر على إثبات نفس هذه القضيّة التي يستفاد منها الحكم المشروط والمعلّق ، فمثل هذا الاستصحاب لا يجري في نفسه لاختلال ركنه الرابع ؛ لأنّه لا يوجد أثر تنجيزي أو تعذيري مترتّب على الحكم المشروط ؛ لأنّه لا يدخل في العهدة ولا تشتغل به الذمّة ؛ لأنّ ذلك من شئون الحكم الفعلي.
وإن أريد باستصحاب هذه القضيّة الشرطيّة التوصّل إلى إثبات الحكم الفعلي أي الحرمة الفعليّة عند تحقّق الشرط الذي هو الغليان ، فحينئذ يجري الاستصحاب لتماميّة أركانه كما تقدّم ، وبالتالي يكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب الحليّة
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٢٣.
(٢) فوائد الأصول ٤ : ٤٧٣.
(٣) في النقطة الخامسة من بحث التطبيقات في الاستصحاب ، تحت عنوان : الاستصحاب في حالات الشكّ السببي والمسبّبي.