فحلّيّته فعليّة أيضا ، ولكنّنا نشكّ في أنّ هذه الحلّيّة الفعليّة هل هي نفس الحلّيّة التي كانت قبل الجفاف والتي هي الحلّيّة المغياة ، أو أنّها تبدّلت إلى حلّيّة أخرى منجّزة ومطلقة وغير مغيّاة بالغليان؟
ووجه الشكّ هو أنّ الرطوبة هل هي حيثيّة دخيلة على وجه التقييد في ثبوت الحرمة للعنب ، أو أنّها ليست دخيلة كذلك؟
ومع هذا الشكّ نجري استصحاب الحلّيّة المغيّاة ؛ لأنّها كانت متيقّنة قبل الجفاف ونشكّ في زوالها وحدوث حلّيّة أخرى مكانها ، فيثبت لنا الحلّيّة المغيّاة أيضا بعد الجفاف ، فإذا غلى هذا الزبيب جرى استصحاب حلّيّته المغيّاة وحرمته التعليقيّة معا ولا تعارض بينهما.
كان الجواب : أنّ استصحابها لا يعيّن حال الحلّيّة المعلومة بعد الجفاف ، ولا يثبت أنّها مغيّاة إلا بالملازمة ، للعلم بعدم إمكان وجود حلّيّتين ، وما دامت الحلّيّة المعلومة بعد الجفاف لا مثبت لكونها مغيّاة فبالإمكان استصحاب ذاتها إلى ما بعد الغليان.
كان الجواب : أنّ استصحاب الحلّيّة المغيّاة الثابتة للعنب قبل جفافه إلى ما بعد جفافه لا يثبت لنا أنّ هذه الحلّيّة مغياة أيضا إلا بضمّ مقدّمة عقليّة ، وهي أنّه لا يوجد لدينا حلّيّتان إحداهما للعنب قبل جفافه والأخرى للعنب بعد جفافه ، إذ لو كان لدينا حلّيّتان فما هو المانع أن تكون الحلّيّة الأولى مغيّاة والثانية غير مغيّاة ، وعليه فإثبات الحلّيّة المغيّاة إلى ما بعد الجفاف والغليان لا يكون إلا بواسطة الملازمة العقليّة بين هذه الحلّيّة والحلّيّة السابقة ، وأنّ الثانية هي نفس الأولى واستمرار لها استنادا إلى ثبوت حكم واحد للشيء الواحد وإن تغيّرت بعض أحواله المشكوك دخالتها كالرطوبة والجفاف.
ومن الواضح أنّ الاستصحاب لا يثبت به اللوازم العقليّة المترتّبة على المستصحب كما تقدّم سابقا ، ولذلك فلا تثبت الحلّيّة المغيّاة بعد الجفاف ، وإنّما القدر المتيقّن ثبوت الحلّيّة ، وأمّا كونها مغيّاة أم لا فهذا غير معلوم ، ولذلك فإذا غلى هذا العنب بعد جفافه وشكّ في بقاء حلّيّته جرى استصحاب ذات الحلّيّة المعلومة لا الحلّيّة المغيّاة ، وبالتالي سوف تتعارض مع الحرمة المعلّقة.