الشارع هل هو شامل لجميع الأزمنة أم هو مختصّ ببعضها فقط ، فيكون الجعل متعلّقا بالحكم المقيّد بهذا الزمان دون ذاك؟
وحيث إنّ الزمان الذي قيّد به قد انتهى فيشكّ في بقاء الحكم وارتفاعه ؛ لأنّه لو كان مقيّدا لارتفع الآن ، وإن لم يكن مقيّدا فهو باق ومستمر.
فإذا كان الشك من النحو الأوّل فلا شكّ في إمكان إجراء الاستصحاب ؛ لتماميّة أركانه ، غير أنّ هنا شبهة قد تمنع عن جريانه على أساس أن ترتّب المجعول على الجعل ليس شرعيّا بل عقليّا ، فإثباته باستصحاب الجعل غير ممكن.
أمّا النحو الأوّل : بأن كان الشكّ في النسخ بلحاظ عالم الجعل مرجعه إلى احتمال إلغاء المولى لهذا الجعل ، فهنا لا إشكال في جريان استصحاب عدم النسخ ؛ لتماميّة أركان الاستصحاب حيث يعلم يقينا بثبوت الحكم ويشكّ في بقائه.
وهنا شبهة وهي أنّ استصحاب عدم النسخ بلحاظ عالم الجعل إن أريد به إثبات بقاء الجعل فقط فهذا لا أثر له ؛ لأنّ الحكم بلحاظ عالم الجعل ليس فعليّا ، وما يدخل في العهدة هو الحكم المجعول الفعلي.
وإن أريد به إثبات الحكم المجعول الفعلي فهذا وإن كان ممكنا ولكنّه لا يتمّ إلا على أساس الملازمة العقليّة بين بقاء الجعل وبقاء الحكم الفعلي بعد ثبوت الموضوع وقيوده ، وهذا يجعله من الأصل المثبت.
والحاصل : أنّ إثبات الجعل فقط لا يفيد ؛ لأنّه ليس منجّزا ؛ لأنّ المنجّزيّة من شئون الحكم الفعلي ، وإثبات المجعول وفعليّته باستصحاب الجعل تثبت على أساس الملازمة العقليّة لا الشرعيّة.
والجواب : أنّا لسنا بحاجة إلى إثبات شيء وراء الجعل في مقام التنجيز ؛ لما تقدّم من كفاية وصول الكبرى والصغرى ، وعليه فالاستصحاب يجري خلافا للأصل اللفظي بمعنى إطلاق الدليل ، فإنّه لا يمكن التمسّك به لنفي النسخ بهذا المعنى.
والجواب عن هذه الشبهة : أنّ المنجّزيّة لا تحتاج إلى إثبات المجعول الفعلي ، إذ لا يوجد شيء حقيقي وراء الجعل ، وإنّما المجعول أمر وهمي اعتباري ، ولذلك فيكفي في المنجّزيّة وصول الكبرى أي الجعل والصغرى أي الموضوع.