فيه الشيخ الأنصاري بدعوى : أنّ أركان الاستصحاب غير تامّة فيه ؛ لأنّ المتيقّن هو ثبوت الحكم على الأشخاص الموجودين في الزمان الأوّل والمشكوك هو ثبوت الحكم على الأشخاص الموجودين في الزمان الثاني ، فالموضوع متعدّد ؛ لأنّ المعروض مختلف ، ومع تعدّد المعروض والموضوع لا يحرز كون الشك متعلّقا بنفس ما تعلّق به اليقين ، فلا يجري الاستصحاب.
نعم ، يجري الاستصحاب بلحاظ الأشخاص الذين عاشوا الزمانين ؛ لأنّ الحكم كان متيقّن الثبوت بالنسبة لهم ، ثمّ يشكّون في بقائه فيستصحب.
وعلاج ذلك : أنّ الحكم المشكوك في نسخه ليس مجعولا على نحو القضيّة الخارجيّة التي تنصبّ على الأفراد المحقّقة خارجا مباشرة ، بل على نحو القضيّة الحقيقيّة التي ينصبّ فيها الحكم على الموضوع الكلّي المقدّر الوجود ، وفي هذه الحالة لا فارق بين القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة موضوعا إلا من ناحية الزمان وتأخّر الموضوع للقضيّة المشكوكة زمانا عن الموضوع للقضيّة المتيقّنة ، وهذا يكفي لانتزاع عنواني الحدوث والبقاء عرفا على نحو يعتبر الشكّ المفروض شكّا في بقاء ما كان فيجري الاستصحاب.
وعلاج هذه الشبهة أن يقال : إنّ الملحوظ في عالم الجعل لو كان الأشخاص والأفراد الموجودين في الخارج فعلا لكان لهذا التوهّم مجالا ، حيث يكون الزمان المتيقّن ثبوت الحكم فيه هو الأشخاص المغايرين للأشخاص الذين يشكّ في ثبوت الحكم بحقّهم ، إلا أنّ الصحيح هو أنّ الحكم يجعل في عالم التشريع على نهج القضيّة الحقيقية لا القضيّة الخارجيّة.
وهذا يعني ملاحظة الموضوع مقدّر ومفترض الوجود ، وهو طبيعي الإنسان المكلّف لا خصوص الأشخاص الذين يعيشون في زمان الجعل والتشريع أو غيرهم.
وعلى هذا فالحكم مجعول على موضوعه المقدّر الوجود والذي يكون مقدّر الوجود في جميع الأزمنة والأمكنة ، ولذلك يرى للقضيّة حدوث وبقاء بهذا اللحاظ ؛ لأنّ موضوعهما واحد ومعروضهما واحد ، وهو طبيعي المكلّف ، غاية الأمر كان يعلم بثبوت هذا الجعل والحكم في زمان ثمّ يشكّ في بقائه في زمان آخر ، فالاختلاف بلحاظ الزمان تقدّما وتأخّرا لا بلحاظ الموضوع والمعروض.