وهذا المقدار من انحفاظ الموضوع يكفي لأن ينتزع عنواني الحدوث والبقاء عرفا ، فيقال : هذا الحكم والجعل كان معلوما حدوثه وثبوته على طبيعي المكلّف في ذاك الزمان ؛ والآن يشكّ في بقائه على طبيعي المكلّف في الزمان اللاحق ، فيستصحب ؛ لأنّ الشكّ المفروض يعتبر شكّا في بقاء الحكم الذي كان متيقّنا ثبوته سابقا.
والاستصحاب على هذا الضوء استصحاب تنجيزي مفاده التعبّد ببقاء المجعول الكلّي الملحوظ بما هو صفة لطبيعي المكلّف.
وهذا الاستصحاب استصحاب تنجيزي ؛ لأنّه يثبت لنا الحكم المجعول الكلّي بقاء بحقّ طبيعي المكلّف المقدّر الوجود ، فلا إشكال في جريانه.
وبالإمكان التعويض عنه باستصحاب الحكم المعلّق ، بأن يشار إلى الفرد المكلّف المتأخّر زمانا ويقال : إنّ هذا كان حكمه كذا على تقدير وجوده ولا يزال كما كان ، وبذلك يتمّ التخلّص عن مشكلة تعدّد معروض الحكم.
وهناك علاج آخر : وهو أن نجري الاستصحاب التعليقي حيث إنّ أركانه تامّة ، فيقال : إنّ هذا الشخص الموجود في الزمان اللاحق لو كان موجودا في الزمان السابق لكان الحكم شاملا له وثابتا بحقّه ، والآن حيث إنّه موجود فعلا في الزمان اللاحق فنشكّ في بقاء تلك القضيّة الشرطيّة والحكم التعليقي بالنسبة له فيجري استصحابها ، حيث إنّها كانت متيقّنة الحدوث في الزمان اللاحق لكلّ شخص وجد فيه فعلا أو تقديرا ومشكوكة البقاء في الزمان اللاحق فتستصحب ، فيثبت الحكم المعلّق بشأنه ويصبح منجّزا عند تحقّق الصغرى وجدانا.
وبتعبير آخر : يمكننا أن نشير إلى الفرد المكلّف الموجود في الزمان اللاحق ونقول : إنّ هذا الفرد لو كان موجودا في الزمان السابق فالحكم ثابت بحقّه ، والآن بما أنّ هذا الفرد موجود فعلا في الزمان المتأخّر فيشكّ في بقاء ذلك الحكم المعلّق بشأنه فيجري استصحابه ؛ لأنّ هذا الحكم المعلّق كان معلوم الحدوث سابقا على فرض وجود هذا الشخص سابقا ، ومشكوك البقاء بعد الالتفات إلى وجود ذاك الشخص فعلا ، فالمعروض واحد وهو ذاك الفرد المكلّف ، ولكن يشكّ في الحكم بحقّه نتيجة الاختلال في الزمان بين الحدوث والبقاء.