وهناك عدم آخر يسمّى بالعدم المحمولي ، والفرق بينهما هو : أنّ العدم النعتي يلحظ فيه العدم بما هو وصف للمحلّ ، ولذلك لا بدّ من افتراض الموضوع والمحلّ أوّلا ثمّ يعرض عليه العدم ، من باب القضيّة المعدولة المحمول ، فيقال : المرأة غير القرشيّة ، وهذا العدم لا يثبت إلا بعد فرض تحقّق الموضوع.
وأمّا العدم المحمولي فهو ملاحظة العدم بما هو في نفسه غير مأخوذ وصفا للمحلّ ، وبذلك يثبت هذا العدم سواء كان الموضوع متحقّقا أم لا ، فيقال : ليست المرأة قرشيّة بنحو القضيّة السالبة التي تصدق حتّى مع عدم وجود الموضوع ، ولذلك يكون مرادفا للعدم الأزلي الثابت منذ القدم.
ويترتّب على ذلك : أنّ الاستصحاب إنّما يجري في نفس التقيّد والاتّصاف بالعدم النعتي ؛ لأنّه هو الدخيل في موضوع الحكم ، ولا يجري في العدم المحمولي أو العدم الأزلي.
فإذا كانت أركان الاستصحاب متوفّرة بلحاظ العدم النعتي جرى الاستصحاب ويترتّب عليه الحكم لثبوت موضوعه.
كما إذا قيل : أكرم الإنسان غير الفاسق ، وكان زيد متّصفا بعدم الفسق سابقا وشكّ في بقائه وارتفاعه ، فهنا يستصحب اتّصافه بعدم الفسق والذي هو العدم النعتي ، ويترتّب عليه وجوب الإكرام.
وأمّا إذا لم تكن أركان الاستصحاب متوفّرة في العدم النعتي فلا يجري استصحاب اتّصافه بهذا العدم ، كما إذا لم يكن عدم الفسق متيقّنا سابقا بل كان مشكوكا ، فهنا لا يجري استصحاب العدم النعتي لعدم اليقين بحدوثه.
وأمّا العدم المحمولي فاستصحابه لا يجري سواء كانت أركان الاستصحاب فيه تامّة أم لا ، أمّا إذا لم تكن تامّة فواضح ، وأمّا إذا كانت تامّة فلأنّ المفروض أنّ الأثر الشرعي مترتّب على العدم النعتي لا العدم المحمولي فيختلّ الركن الرابع.
ومن هنا ذهب المحقّق النائيني (١) إلى عدم جريان استصحاب عدم العرض المتيقّن قبل وجود الموضوع ، ويسمى باستصحاب العدم الأزلي.
فإذا شكّ في نسب المرأة وقرشيّتها لم يجر استصحاب عدم قرشيّتها الثابت
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٥٠٧.