قد يثار إشكال في كون هذا الدوران من موارد العلم الإجمالي المنجّز لكلا الطرفين ، ومع ذلك قلنا بجريان البراءة عن الأكثر وعدم جريانها عن الأقلّ ؛ لأنّه لا يوجد معنى معقول لجريانها عن الأقلّ فيكون الركن الثالث مهدوما.
وأمّا في مقامنا فيوجد سبب خاصّ وامتياز يجعل المورد مجرى للبراءة بلا إشكال أو محذور ، حتّى لمن استشكل هناك فإنّه يقبل جريان البراءة هنا من دون إشكال.
والوجه في ذلك : أنّ التردّد بين الأقلّ والأكثر إنّما يحصل للناسي بعد الفراغ عن الإتيان بالأقلّ ؛ لأنّ ارتفاع النسيان كان بعد الفراغ من الصلاة كما تقدّم ، وحينئذ سوف يكون التردّد ناشئا بين طرفين ، أحدهما قد تحقّق وامتثل فعلا ، وبالتالي سوف يكون التردّد في طرف واحد ، وهذا يجعله من الشكّ البدوي ؛ لأنّ الموجود فعلا طرف واحد يشكّ في وجوبه.
وهذا نظير العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين ، والذي تحقّق أحد طرفيه قبل حصوله ، كما إذا زار المكلّف أحد المرقدين الطاهرين ثمّ شكّ في أنّه يجب عليه زيارة المرقد الذي زاره أو مرقد آخر غيره ، فإنّ هذا العلم الإجمالي وإن كان دائرا بين المتباينين ولكنّه لمّا كان أحد طرفيه متحقّقا ومفروغا عن امتثاله فلا يكون مثل هذا العلم الإجمالي منجّزا ؛ لأنّ البراءة سوف تجري عن الطرف الموجود من دون معارض ؛ لأنّ البراءة في الطرف الآخر الذي امتثله لا معنى لها ، أو لأنّ المطلوب من العلم الإجمالي أن يكون صالحا لتنجيز معلومه على كلّ تقدير ، والحال أنّه في الطرف الممتثل لا يكون قابلا للتنجيز ؛ لأنّه امتثله فعلا.
فإذا كان العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين والذي امتثل فيه أحد الطرفين قبل حدوث العلم الإجمالي غير منجّز ، فمن الأولى ألاّ يكون التردّد بين الأقلّ والأكثر في مقامنا منجّزا أيضا.
ووجه الأولويّة أنّه في موارد العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين قد تثار شبهة وجود علم إجمالي آخر منجّز ، بينما هنا لا يمكن ذلك ؛ لأنّ التردّد هنا إنّما يحدث بعد امتثال أحد الطرفين دائما ، بينما في موارد العلم الإجمالي قد يقال بحدوث العلم الإجمالي قبل امتثال أحد الطرفين ، وذلك بالالتفات إلى حالة ما قبل البلوغ أو حالة صدور التشريع مثلا.